لم تنل الانقلابات العديدة التي
شهدتها دول إفريقية ساحلية خلال العقود الستة الماضية، ما ناله وحظي
به الانقلاب العسكري الذي وقع في النيجر قبل ثلاثة أسابيع، من
متابعة دولية واهتمام عالمي.
وقد لوحظ أن السؤال الكبير الذي تصدر النقاشات التلفزيونية والبثوث المباشرة لساسة ومدونين أفارقة كثيرين هو : لماذا هذا الاهتمام الدولي الكبير جدا بأزمة النيجر؟
وجاءت قضية المصالح الإستراتيجية في صدارة أسباب هذا الاهتمام، وفقا لما يُستخلص من النقاشات الكثيرة والآراء التي عرضتها وسائل إعلام إفريقيا، والتي تم تداولها عبر شبكات تواصلها خلال الأيام العشرين التي مضت على انقلاب الحرس الرئاسي في النيجر على محمد بازوم الموصوف إعلاميا، بـ”الرئيس المنتخب”.
ويتركز هذا الاهتمام الدولي الكبير بالنيجر وأزمتها، رغم أن مؤشراتها الاقتصادية والاجتماعية التي تعتبر من أسوأ مؤشرات دول القارة، لا تظهر أية أهمية إستراتيجية لهذا البلد: فالنيجر بلد شاسع المساحة ممتد على 1 267 000 كلم، محتلا بذلك الرتبة الخامسة بين أوسع بلدان إفريقيا مساحة، وهو مع ذلك، محاط بست دول بينها دولتان مصنفتان ضمن القوى الاقتصادية والعسكرية الكبرى في إفريقيا.
وللنيجر حدود من 1500 كلم مع نيجريا، وحدود من 990 كلم مع الجزائر، وله حدود مشتركة مع ليبيا والتشاد ومالي وبوركينافاسو وبنين.
ومن أسباب الاهتمام الخارجي الكبير الذي أكده المحللون، وجود مجموعات إرهابية مسلحة في المناطق الحدودية المشتركة مع مالي وبوركينافاسو، إضافة لكون ولاية أغاديس الواقعة بالوسط الشمالي للنيجر، تعتبر دوارا مركزيا نشطا للهجرات المتجهة من غرب إفريقيا إلى أوروبا.
ومن الأسباب التي ذكرها المحللون في الندوات والنقاشات حول انقلاب النيجر، وجود موارد طبيعية هائلة في هذا البلد، يتصدرها الذهب واليورانيوم والنفط.
وبسبب الحرص على التسيير المستقبلي لهذه الموارد تتكرر الانقلابات الداخلية وتتصارع القوى الدولية.
وتحظى المؤسسة الوطنية الصينية (CNPC) منذ 2011، بالشراكة الأساسية مع دولة النيجر، في استغلال الموارد النفطية.
وكما هو شأن أزمتي مالي وبوركينافاسو، فقد تحولت أزمة النيجر، بعد ساعات من اندلاعها، إلى أزمة بين النيجر وفرنسا.
ومن المتوقع أن يزداد إنتاج النيجر من النفط خلال السنوات القليلة المقبلة بعد الانتهاء من مد الأنبوب الضخم الأطول في إفريقيا والممدود على مسافة 1950 كلم، رابطا بين أكاديم في النيجر وميناء سيمي اكراكي في بنين.
وكما هو شأن أزمتي مالي وبوركينافاسو، فقد تحولت أزمة النيجر، بعد ساعات من اندلاعها، إلى أزمة بين النيجر وفرنسا وهو ما عكسته التغطيات الإعلامية والتدوينات على شبكة التواصل الاجتماعي، بل وعكسته الشعارات المرددة في شوارع النيجر.
فقد ظل الحضور العسكري الفرنسي في النيجر، موضوعا رئيسيا في النقاشات السياسية داخل إعلام وصالونات السياسة في النيجر.
غير أن الموضع الرئيسي الذي تنصب حوله الانتقادات هو استخلاص اليورانيوم، أقدم مجال في العلاقات الاقتصادية مع فرنسا والنيجر، والذي اكتشف شمال النيجر عام 1957، ثلاث سنوات قبل الاستقلال.
ولكي تتمكن فرنسا من السيطرة على استخلاص وتصدير يورانيوم النيجر لصالحها وحدها، فقد أبرمت اتفاقيات عدة مع حكومات النيجر في المجالات العسكرية والأمنية.
وبفضل السيطرة على يورانيوم النيجر بأسعار وشروط ميسرة، جعلت فرنسا من الصناعة النووية المدنية العامل المركزي لاستقلالها الطاقوي.
وتملك شركة أورانو ORANO، (أريفا AREVA سابقا)، ثلاثة مناجم من يورانيوم النيجر، يخضع واحد منها للاستغلال حاليا، ولم تنطلق بعد عمليات منجم “إيمورارن” المكتشف عام 1996.
ومع أن شركة أورانو ORANO تستغل حاليا مناجم اليورانيوم في كندا وكازاخستان، فإن يورانيوم النيجر يظل أهم مورد لفرنسا من هذه المادة بالغة الأهمية.
وترتكز انتقادات سياسيي النيجر على ضآلة انعكاسات استغلال فرنسا ليورانيوم النيجر، المتواصل منذ عقود على حياة الموطن النيجري، وهم يرون أن استغلال فرنسا ليورانيوم النيجر “لا يعدو كونه مصدرا للإضرار بالبيئة”.
وأظهرت الولايات المتحدة انزعاجا كبيرا من الأزمة في النيجر، حيث تعدد ورود اسم النيجر في تصريحات الكاتب الأمريكي أنتوني ابلينكن الذي زار النيجر في مارس/آذار الماضي. ومن الملاحظ أن ابلينكن يتحاشى الكلام عن الانقلاب العسكري في النيجر، ولم تقم الولايات المتحدة بعد حدوث الأزمة في النيجر، إلا بقطع طفيف لبعض جوانب التعاون العسكري مع النيجر.
وتتوفر الولايات المتحدة على قواعد عسكرية بالنيجر تضم 1100 جنديا، وعدد من الطائرات المسيرة إضافة لعتاد عسكري مهم.
وتعتبر قادة أغاديس العسكرية الأمريكية المعروفة بـ “القاعدة 201″، والتي بدأت نشاطها عام 2019، ثاني قاعدة عسكرية أمريكية في إفريقيا بعد قاعدة جيبوتي، وقد كلف تأسيسها ما لا يقل عن 110 مليون دولار.
وفي هذا السياق، زارت فيكتوريا نولاند مساعدة كاتب الدولة الأمريكي التي تليه في السلم، العاصمة نيامي يوم أغسطس/آب الماضي، وتباحثت مطولا مع الجنرال موسى بارمو الذي عين بعد الانقلاب قائدا لأركان الجيش النيجري والذي قاد لفترة طويلة، القوات الخاصة لجيش النيجر التي تولت الولايات المتحدة تدريبها.
كل ذلك يؤكد أن الولايات المتحدة سيكون لها دور كبير في الحلول المقبلة لأزمة النيجر، كما أن كل هذا يتضمن بعض الإجابة على السؤال الكبير: لماذا هذا الاهتمام الدولي الكبير جدا بأزمة النيجر؟