الخميس 22 رَجب 1446هـ 23 يناير 2025
موقع كلمة الإخباري
ما حقيقة اعتماد الشيعة على روايات "إسرائيلية"؟!
السيد مهدي الموسوي
2023 / 10 / 22
0

لا يوجد تراث محفوظ تحكمه قواعد راسخة ومتينة كالتراث الشيعي الإمامي ، فالتراث المعتمد عند الشيعة الإمامية  هو التراث الصادر عن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ً ، والطريق إلى هؤلاء الأئمة ( عليهم السلام ) جاء عبر  روايات ذكرتها الكتب الحديثية المعتبرة عندهم والتي صنّفها علماء أجلاء شهد المخالف قبل الموالف بجلالتهم ومكانتهم العلمية .

فالكليني (رضوان الله عليه) مثلاً صاحب كتاب ” الكافي ” الذي يعدّ من الكتب الحديثية الكبيرة التي حوت أحاديث أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ، قال في حقّه  ابن الأثير في كتاب “جامع الأصول” : (( أبو جعفر محمّد بن يعقوب الرازي، الفقيه، الإمام على مذهب أهل البيت عليهم السلام، عالم في مذهبه، كبير، فاضل عندهم، مشهور)).( راجع مقدّمة جامع الأصول المطبوع بمصر سنة 1371 ه‍) .

وقال الذهبي عنه في ” سير أعلام النبلاء”: (( شيخ الشيعة، وعالم الإمامية، صاحب التصانيف أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني)).(سير أعلام النبلاء15: 28) .

 وقال ابن حجر عنه في ” لسان الميزان” : ((… وكان من فقهاء الشيعة، والمصنّفين على مذهبهم…)). ( لسان الميزان 5: 433)

وكذلك الحال فيما يتعلّق بالشيخ الطوسي ( رضوان الله عليه ) الملقّب بشيخ الطائفة الذي له كتابان من الكتب الحديثية الأربعة التي عليهما مدار استنباط الأحكام عند الشيعة الإمامية ، هما : التهذيب ، والاستبصار . قال عنه ابن حجر في ” لسان الميزان ” : (( ( محمّد بن الحسن بن علي أبو جعفر الطوسي فقيه الشيعة ، أخذ عن ابن النعمان أيضاً وطبقته ، له مصنفات كثيرة في الكلام على مذهب الإمامية )). (لسان الميزان 5: 135)

وقال عنه السبكي في “طبقات الشافعية الكبرى” ما نصّه : (( أبو جعفر الطوسي فقيه الشيعة ومصنفهم ، كان ينتمي إلى مذهب الشافعي ، له تفسير القرآن وأملى أحاديث وحكايات تشتمل على مجلدين ، قدم بغداد وتفقه على مذهب الشافعي وقرأ الأصول والكلام على أبي عبد الله محمد بن محمّد بن النعمان المعروف بالمفيد فقيه الإمامية)) . ( طبقات الشافعية الكبرى 4: 126)

هذا من حيث المصنّفين الذين جمعوا الروايات عن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) وأفردوا لها مصنّفات من كتبهم ، أمّا من حيث الأسانيد وشأن الرواة لهذه الأحاديث فهذا المعنى نأخذه من شيخ الطائفة الطوسي الذي جمع هذه الروايات ،  قال في كتابه ” العدّة ” : (( إنّا وجدنا الطائفة ميّزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار ووثقت الثقات منهم وضعفت الضعفاء وفرّقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته ومن لا يعتمد وفلان كذاب وفلان مخلط وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد وفلان واقفي وفلان فطحي وغير ذلك من الطعون التي ذكروها وصنّفوا في ذلك الكتب واستثنوا الرجال من جملة ما رووه من التصانيف في فهارسهّم، حتى أن واحداً منهم إذا أنكر حديثاً نظر في إسناده وضعفه بروايته، هذه عادتهم على قديم الوقت وحديثه لا تخزم فلولا أن العمل بما يسلم من الطعن ويرويه من هو موثوق به جائز لما كان بينه وبين غيره فرق، وكان يكون خبره مطروحاً مثل خبر غيره)).  (العدّة 1: 141)

وأمّا من حيث صدق النقل وأمانته عند محدّثي الشيعة فهذا نأخذه من أفواه مخالفيهم .

جاء عن ابن تيمية في كتابه “مسألة تعليق الطلاق” وهو يتحدث عن بعض الأحكام الشرعية في مسائل الطلاق وممن وافق الشافعي فيها، قال :(( ومن وافقه كابن حزم من السنة،وكالمفيد والطوسي والموسوي وغيرهم من شيوخ الشيعة ،وهم ينقلون ذلك عن فقهاء أهل البيت ( إلى أن يقول عن الشيعة ) لكن جمهور ما ينقلونه عن الشريعة موافق لقول جمهور المسلمين ،فيه ما هو من مواقع الإجماع ، وفيه ما فيه نزاع بين أهل السنة ،فليس الغالب فيما ينقلونه عن هؤلاء الأئمة من مسائل الشرع الكذب،بل الغالب عليه الصدق)) . انتهى . ( مسألة تعليق الطلاق: 697، 698)

فهنا نجد بشكل واضح وصريح تصريح ابن تيمية بأنَّ الشيعة الغالب عليهم هو الصدق في نقلهم عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وبمثله صرّح ابن قيم الجوزية الذي قال في كتابه “الصواعق المرسلة” : (( الوجه التاسع: إن فقهاء الإمامية من أولهم إلى آخرهم ينقلون عن أهل البيت أنه لا يقع الطلاق المحلوف به وهذا متواتر عندهم عن جعفر بن محمد وغيره من أهل البيت وهب أن مكابرا كذبهم كلهم وقال قد تواطئوا على الكذب عن أهل البيت ففي القوم فقهاء وأصحاب علم ونظر في اجتهاد وإن كانوا مخطئين مبتدعين في أمر الصحابة فلا يوجب ذلك الحكم عليهم كلهم بالكذب والجهل وقد روى أصحاب الصحيح عن جماعة من الشيعة وحملوا حديثهم واحتج به المسلمون)). انتهى ( الصواعق المرسلة 1: 616 ، 617)

هذا كلّه من حيث المصنفين والأسانيد ، أمّا من حيث الدلالة ، فتحكم مرويات الشيعة الإمامية  في جانبها الدلالي جملة من القواعد المتينة جدّاً ، فالرواية الحجّة عندهم هي الرواية التي لا تخالف القرآن الكريم ، ولا تخالف العقل القطعي ، ولا تخالف الحقائق العلمية الثابتة ، ولا تخالف المسلمات في الشريعة ، ولا تكون صادرة للتقية ، ولا تكون معارضة لرواية أخرى من مروياتهم ، وإذا كان لها معارض هل هو من النوع المستقر أو غير المستقر ، وإذا كان من نوع غير المستقر هل يمكن جمعه جمعا عرفيا أو لا ، والمستقر هل توجد له مرجحات في المقام أو لا ..  فهذه المراحل كلّها على الرواية اجتيازها حتى تكون حجّة ويأخذ بها الشيعة  الإمامية..  وهي – كما ترى – مراحل دقيقة ومعقّدة تكتنفها بحوث وتفاصيل مختلفة  خاض فيها علماؤهم ونقحوها بدّقة متناهية يعرفها كلّ من أطلع على  بحوثهم الأصولية .

وعليه ؛ فدعوى اعتماد الشيعة في عقائدهم وفقههم على المرويات الإسرائيلية – والمقصود به تلك الروايات التي فيها كذب ومخالفات للحقائق والمسلمات الإسلامية – هو كذب محض وجهل واضح ، أما  وجود مرويات اسرائيلية  في تراث الشيعة الإمامية  بشكل عام فهو لا يضرّهم بشيء لوجود سلسلة من الضوابط والمراحل – تقدّمت الإشارة إليها  –  تحول دون تسرّب دلالات هذه المرويات إلى فقههم وعقائدهم إن كان فيها شيء مخالف لثوابت الإسلام وعقائده .

ولكن المشكلة كلّ المشكلة واقعاً هي عند المذهب السنّي  الذي ابتلي بهذا الموروث الإسرائيلي رموزاً وعقائد .

فمن حيث رموز أهل السنّة نجد مثل عمر بن الخطاب الذي يصرّح بشكل واضح وصريح أنَّ أحاديث اليهود قد أخذت بقلبه ويريد أن يتعلّمها  فينهاه النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عن ذلك ويقول له : امتهوك أنت ، أي : أمتهور أنت ؟!

عن السيوطي في (الدر المنثور) قال: (( أخرج ابن الضريس عن الحسن أنّ عمر ابن الخطاب(رضي الله عنه) قال: يا رسول الله، إنّ أهل الكتاب يحدّثونا بأحاديث قد أخذت بقلوبنا وقد هممنا أن نكتبها، فقال: يابن الخطاب أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى، أما والّذي نفس محمّد بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولكني أعطيت جوامع الكلم واختصر لي الحديث اختصاراً )). ( الدر المنثور 5: 149 )   

وهذا الحديث لم يضعّفه ابن الضريس ولم يتعقبه السيوطي بشيء، وقريب منه في: مسند أحمد ٣: ٣٨٧، المصنف لابن أبي شيبة ٦: ٢٢٨، كتاب السنّة: ٢٧ قال الألباني محقّق الكتاب: ((حديث حسن إسناده ثقات غير مجالد وهو ابن سعيد فإنّه ضعيف، ولكن الحديث حسن له طرق أشرت إليها في (المشكاة) (١٧٧)، ثمّ خرّجت بعضها في (الإرواء) (١٥٨٩)). (انتهى)

قال الزمخشري في “الفايق” في مادة (هوك): النبيّ(صلى الله عليه وآله) قال له عمر: إنّا نسمع أحاديث من يهود تعجبنا أفترى أن نكتب بعضها. فقال: (أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى لقد جئتكم بها بيضاء نقية لو كان موسى حيّاً ما وسعه إلا اتّباعي).

ثمّ قال الزمخشري : ((تهوك وتهور أخوان في معنى: وقع في الأمر بغير روية )). ( الفايق في غريب الحديث 3: 411)

ومن حيث الجانب العقائدي نجد صحاح أهل السنّة الحديثية – كالبخاري ومسلم – تزخز بالمرويات الإسرائيلية في جانبها العقائدي الذي يفيد التجسيم والتشبيه مثل أحاديث رؤية  الله عيانا وحديث إنَّ الله يضع السموات على أصبع والأرضين على أصبع  وحديث إنّ الله خلق آدم على صورته ونحوها ، التي هي كلّها عقائد يهودية واضحة صرّحت بها التوراة المحرّفة الموجودة الآن بشكل واضح وصريح في عدّة فقرات منها ، واعترف علماء أهل السنّة أنفسهم بأنّها عقائد يهودية .

ففي حديث خلق الله آدم على صورته ( الوارد في الصحيحين : البخاري 7: 125 ، مسلم 8: 23) يصرّح ابن حزم الأندلسي في ” الفصل في الملل والأهواء والنحل ” : (( في أوّل ورقة من توراة اليهود التي عند ربانيهم وعانانيهم وعيسوبهم … قال الله تعالى اصنع بناء آدم كصورتنا كشبهنا )).( الفصل 1: 117)

وجاء عن  الشيخ حمود التويجري، صاحب كتاب (عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن)، الّذي قرظه عبد العزيز بن باز. في ص ٧٦ من الطبعة الثانية: ((وأيضاً فهذا المعنى – أي: بأنّ صورة آدم مخلوقة على صورة الله سبحانه – عند أهل الكتاب من الكتب المأثورة عن الأنبياء كالتوراة فإنَّ في السفر الأوّل منها: (سنخلق بشراً على صورتنا يشبهها).. اهـ )). انتهى

فهذه العقيدة اليهودية  ( بأنّ الله خلق آدم على صورته وأنّه يشبهه) كما ترى قد جعلها البعض من عقائد أهل الإيمان عنده ، والحال هي عقيدة باطلة منافية للتوحيد  لأنها تفيد التجسيم والتشبيه بشكل واضح وصريح ، كما صرّح به جمع آخر من علماء أهل السنّة أنفسهم .

قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: ((قال المازري: وقد غلط ابن قتيبة في هذا الحديث فأجراه على ظاهره، فقال لله تعالى صورة لا كالصور، وهذا الّذي قاله ظاهر الفساد، لأنّ الصورة تفيد التركيب وكلّ مركب محدث والله تعالى ليس بمحدث فليس هو مركباً فليس مصوراً، قال: وهذا كقول المجسمة جسم لا كالأجسام، لأنّهم رأوا أهل السنّة يقولون الباري سبحانه وتعالى شيء لا كالأشياء، طردوا الاستعمال فقالوا: جسم لا كالأجسام، والفرق أنّ لفظ شيء لا يفيد الحدوث ولا يتضمن ما يقتضيه، وأمّا جسم وصورة فيتضمنان التأليف والتركيب وذلك دليل الحدوث)). (انتهى) ( صحيح مسلم بشرح النووي 16: 166)



التعليقات