الخميس 22 رَجب 1446هـ 23 يناير 2025
موقع كلمة الإخباري
نهض الحسين لكيلا يبقى الفساد سيداً

هل نحن نعيش بحكم العادة أم بحكم التجدد؟! معظمنا يعيش بحكم العادة، ومن المعلوم ان العادة جعلت عالمنا محدودًا، وحركتنا محدودةً، والدنيا التي نتحرك فيها أيضًا محدودة، والانسان بطبعه ميال الى الدعة، يريد أن تكون حياته محدودةً ضيقةً، حتى لا يتعب، يتكرر عنده الروتين في كل لحظة، نوم وأكل ووظيفة وترفيه ومجالسة الاصدقاء، اضافة الى انه يمشي في نفس الشارع كل يوم، ويجلس على نفس المكتب، ويقابل نفس الوجوه، هكذا هو يعيش في دوامة مملة قد ضيّق الدنيا عليه، وخنق نفسه، وإذا حاول الهرب؛ فإنّه يضع لنفسه قيودًا أُخرى جديدة.

أما التجدد هو ديدن الشعوب الحرة التي تُريد حريتها في اختيار إرادتها، وفي أن تصحوا وتنام على الجنب الذي يُريّحها، ولا يريّحها إلا الحرية، ولا يريّحها إلا محاربة الظلم والفساد، ولا يريّحها الا كلمة حق ضد سلطان جائر، ولا يريّحها الا ان تهتف ضد الفاسد: كلا كلا للفاسد، كلا كلا للباطل، كلا كلا للظالم، هكذا تعلمت من الامام الحسين عليه السلام عندما صدح صوته أمام ظلم وفساد يزيد قائلا: "مثلي لا يبايع مثله".  

في حياتنا اليومية أحداث صغيرة؛ ولأنّها صغيرة فإنّنا لا نلتفت إليها، ولا نستخرج معانيها العميقة، الفاسد يقيم العزاء لسيد الشهداء ليغطي على فساده، ربما تنطلي هذه الحالة على السذج من الناس أو الانتهازيين والنفعيين منهم، بيد انها تحمل بين طياتها معاني عميقة أبسطها الخيانة، والا كيف يسمي نفسه حسينيا وهو يتطاول على بيت المال ويعيش في القصور الفخمة ويركب السيارات الفارهة من أموال السحت والحرام وحوله أكباد تحن الى القد؟! يا لها من مفارقة مضحكة مبكية، انها حياة يزيدية بمظاهر حسينية، وهذا هو النفاق بعينه.  

لا يزال الإنسان يُحطّم الأصنام، لكنّه قبل أن يُحطّمها فهو يصنعها، ويجعلها صورةً لمستقبله، وأحلامه البعيدة، ناقشونا ليس بالشتيمة ولا بالعصا، فلا يُغيّر الرأي إلا الرأي، ولا يفل الحديد إلا الحديد، ولا يقطع الماس إلا الماس، ولا يقطع دابر الفساد إلا المواجهة، ثمة معسكران، معسكر الاصلاح ومعسكر الفساد، معسكر الحسين ومعسكر يزيد، فالإنسان اما ان يكون مع معسكر الحسين حيث العبادة والقناعة والاصلاح، واما ان يكون مع معسكر يزيد حيث البطر والشرور والفساد، هذا منطق الحسين وذاك منطق يزيد، ومحاولة الخلط بين المفهومين خدمة لأجندات حزبية وشخصية باتت مفضوحة وانها اسطوانة مشروخة لا تنطلي على أمة يجري في دمها حب الحسين، وتحاول جاهدة المضي في تحقيق اهداف الثورة الحسينية على ارض الواقع.   

كل يوم أكتشف شيئًا جديدًا في نفسي، فأنا ما أزال غارقًا في أعماقي، لم أفلح في أن أخرج منها بعد، ولكنّي أعتقد أنّني سوف أستطيع، لا بد أن يكون السبب هو عبارة قرأتها قديمًا تقول: اعرف نفسك أولًا، وبعدها تستطيع أن تفهم الناس بشكلٍ صحيح، ولكن المشكلة أنّني أُحاول أن أعرف نفسي؛ فلم أجدني قد نجحت كثيرًا، فكيف أعرف الناس؟ يقولون ان أطول حب في الدنيا حب الإنسان لنفسه، ولكني أقول ان أطول حب في الدنيا حب الإنسان لدينه، فهو الذي يضحي بنفسه من أجل اسعاد الآخرين، هذا هو الحب الحقيقي الذي تعلمناه من الامام الحسين الذي اضحى ايقونة الأحرار في العالم يستلهمون منه معنى السعادة الحقيقي في قوله: (ألا ترون إلى الحق لا يعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه حقا، فاني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برما)  بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٤ - ص ٣٨١.

وإذا كانت السعادة هي الغاية التي يُريدها كل إنسان، فإنّ أحدًا لا يعرف بالضبط ما تعنيه كلمة السعادة، إنّها مثل الصحّة نحسّها، ولا نعرف ما هي، إنّها مثل الكهرباء نعرفها، ولا نراها، فالسعادة ليست برتقالةً نقطفها، ونقشرها، ونأكلها بعد ذلك، إنّها مجموعة أشياء معًا، فالسعادة هي المعنى الحقيقي للانتظار الايجابي، أن توطّن نفسك للحق وتصلحها لتغيير الواقع الفاسد، لا ان تنزوي جانبا وتطلب الفرج بالدعة والراحة والاتكال، فهذا لعمري في الفعال قبيح، فالإمام الحسين تحمّل المسؤولية ووقف امام الباطل وقدم الغالي والنفيس في سبيل المحافظة على القيم والاهداف الكريمة، انه تصدى بنفسه لهذه المهمة الصعبة ولم يوكل الأمر الى غيره، وتصدي المعصوم لمكافحة الظلم والفساد هو حجة علينا، ونحن نعيش زمن الغيبة من المفترض ان نسير على هذا النهج لا ان ننزوي ونقول ان الامام المهدي هو الذي يخرج ويقضي على الفاسدين، هذا منطق معوج وسقيم، فالانزواء خيانة للدين والمجتمع ونكوص عن النهوض بواجب التصدي للمنكر ومكافحة الظلم والفساد، فالله تعالى لا يغير ما بقوم من ظلم وفساد حتى يغيروا ما بأنفسهم من استعداد لمواجهة الظلم بكل ما اوتوا من قوة. 

الامام الحسين أبي الضيم قطع المسافات البعيدة وعرّض نفسه واهل بيته للمخاطر والمهالك حتى يحررنا من الظلم والفساد والشرور والباطل، حتى يخرجنا من العبودية الى الانسانية، من الفساد الى الاصلاح، من الشرور والبطر الى الفضيلة والشكر، إنّها صورة لا نحبها من القلق والخوف وشيء من الذلّ تراودنا، ومقاومة خفيفة يُمكن أن نُسميها الأمل يبعثها في نفوسنا الامام الهمام، وما بين تلك وذينك يبقى الامام هو الملهم المخلص الذي جعله الله لنا مشعل هداية لاستنقاذ العباد من الجهالة وحيرة الضلالة.

المرجعية الدينية الرشيدة طالما نادت بالإصلاح، نادت وتنادي بمقاطعة الفاسدين، هل لبينا نداء المرجعية، أم بقي الكثير منا اما ساكت عن الفساد او انه يهتف باسمهم ويعظمهم حتى ظن أهل الباطل بهذا التكريم انهم على حق، ولولا هذا الاصطفاف حول الفاسدين لما تمادوا في ظلمهم وفسادهم، والحقيقة التي لا غبار عليها ان مقاطعة الفاسدين وفضحهم على رؤوس الاشهاد مهمة عظيمة، عساها ان تكبح جماح ظلمهم وترجعهم الى رشدهم ان كان قد بقي عندهم رشد، أو البعض يذل نفسه امام الفاسد لكي يستفيد منه بعض فتات السرقة وهو بذلك اركس نفسه في الفساد وشجع الفاسد على فساده اكثر واكثر، والامام الحسين عليه السلام خرج لكي يخرجنا من هذه العبودية ويخرجنا من الخنوع امام الفاسدين عندما هتف بأوساطنا "كفى بك ذلا ان تعيش وترغما". 

الامام الحسين عليه السلام امانة في اعناقنا اينما كنا في السوق في الجامع في الحسينية في الجامعة في المدرسة في البيت في الدائرة، عندما نبكي على الامام الحسين يجب ان نجعل بوابة النعي مدخلا الى بوابة الوعي، وان نكرّس مفهوم الحسين عبرة ـ بالفتح ـ وعبرة ـ بالكسر ـ على أرض الواقع، لا ان نبقى نراوح مكاننا في بوابة النعي، والظلم والفساد يلفنا من كل حدب وصوب، ينبغي ان نخرج من مستنقع الذل والهوان التعس لندخل الى دوحة الوعي من أوسع أبوابها.

قبل ان نغيّر الثياب من الملونة الى السواد لابد ان نغيّر النفوس التي تصدعت بخراب الدنيا، قبل ان نرفع الرايات وهي رايات عز وشرف وشموخ يجب ان نرفع الحقد والحسد من قلوبنا، قبل ان نلطم الصدور لابد ان نلطم وجه الظالم والفاسد لردعه عن الظلم والفساد والاستهتار بالقيم والمقدسات، قبل ان نبكي على مصيبة الحسين عليه السلام لابد ان نبكي على وضعنا الفاسد وما يؤول اليه من ضياع وهلاك، وقبل ان ننهض لإقامة مجالس العزاء لابد ان ننهض لكي يبقى الاصلاح سيدا والفساد مهانا، فالشعائر الحسينية ينبغي ان تكون اداة فاعلة في التغيير لا في التثبيط، فهل من مدّكر؟!

التعليقات