الأربعاء 21 رَجب 1446هـ 22 يناير 2025
موقع كلمة الإخباري
براغماتية السلطة: قراءة في المشهد الشرق أوسطي الجديد
د. وسيم جابر
لم تكن العلاقة التركية-الإسرائيلية يوماً كما تبدو في الواجهة. فخلف الخطاب السياسي الحاد والتصريحات النارية للرئيس التركي أردوغان
2024 / 12 / 16
0

لم تكن العلاقة التركية-الإسرائيلية يوماً كما تبدو في الواجهة. فخلف الخطاب السياسي الحاد والتصريحات النارية للرئيس التركي أردوغان، تمتد شبكة معقدة من المصالح الاستراتيجية والعلاقات الاقتصادية والأمنية التي لم تنقطع يوماً منذ اعتراف تركيا كأول دولة مسلمة بوجود إسرائيل عام 1949.

في قلب هذه المعادلة المُعقدة، يقف أردوغان كنموذج فريد للبراغماتية السياسية. الرجل الذي يخاطب الشارع العربي بخطاب إسلامي حماسي، هو نفسه من يعزز العلاقات الاقتصادية والعسكرية مع إسرائيل. في عام 2005، زار أردوغان إسرائيل وتم تكريمه من قبل المؤسسات اليهودية. وحتى في أوج الأزمات السياسية، لم تتوقف التجارة البينية والتعاون الأمني.

اليوم، ومع تسارع الأحداث في سوريا، يبرز دور الجولاني كأداة في المشروع التركي-الإسرائيلي. تحوله من قائد جهادي متشدد (الجولاني) مطلوب على لوائح الإرهاب الامريكية إلى سياسي "معتدل" (أحمد الشرع) لم يكن صدفة، بل جزء من مخطط أكبر لإعادة ترتيب المنطقة. لكن مصيره محسوم: أداة مؤقتة سيتم التخلص منها حال انتهاء دورها، ربما خلال "الأشهر الستة القادمة".

التحركات الدبلوماسية الأخيرة - من زيارة قائد القيادة المركزية الأمريكية المفاجئة للمنطقة، إلى الاجتماعات السريعة بين قادة المنطقة - تكشف عن استعدادات لتغييرات دراماتيكية. الهدف الأمريكي واضح: إعادة ترتيب المنطقة بما يخدم المصالح الإسرائيلية ويحد من النفوذ الإيراني.

العراق يقف على مفترق طرق خطير. مع وجود 13 ألف مقاتل من تنظيم داعش في البادية السورية، يلوح شبح عودة التنظيم للموصل. قد تكون هذه الورقة جزءاً من الضغط الأمريكي لإعادة ترتيب الأوضاع في العراق وفق رؤية جديدة.

الخلاصة: المنطقة تتجه نحو تغييرات جذرية. تركيا تلعب دور "الوسيط المقبول" بين إسرائيل والعالم العربي، مستخدمة الجولاني كأداة مؤقتة. العراق قد يشهد اضطرابات جديدة بذريعة محاربة داعش. المشروع الأمريكي-الإسرائيلي يمضي بخطى ثابتة نحو إعادة تشكيل المنطقة، مستفيداً من ضعف الخصوم وتعاون الحلفاء.

في النهاية، تبقى الحقيقة المرة: في عالم المصالح الاستراتيجية، تصبح الشعارات والمبادئ مجرد أدوات في لعبة كبرى يفوز فيها من يجيد فن المناورة، لا من يتمسك بالقيم والمبادئ.

التعليقات