الأربعاء 21 رَجب 1446هـ 22 يناير 2025
موقع كلمة الإخباري
سباقات وضوضاء على الطرقات العامة
جيل السرعة: لماذا يعشق الشباب العراقي سيارات الچارجر؟
خاص ـ كلمة | سراج علي
2025 / 01 / 22
0

يعتقدُ غالبية الشباب العراقيين الذين يقودون السيارات من نوع (الچارجر)، أنّ هذه المركبة ستظهرهم أكثر قوّةً أمام أقرانهم، خصوصاً وأن مظهرها يوحي إلى "كتلة العضلات" التي يتمنى أي شاب أن يصبحَ بهذا المظهر، حتى غدت الأحبَّ والأقرب إلى قلوبهم.

ولكن لقيادة هذه السيارة "أصول وقواعد" حالها حال قيادة أي سيارة؛ فيجب على السائقين أن يتبعوا العبارة الأشهر في عالم السيارات (القيادة.. فن وذوق وأخلاق)؛ وبالطبع يتبع ذلك ثقافة سائق السيارة.

وفي دول العالم، عُرفت قيادة سيارة الچارجر منذ مدة طويلة، وتحوّلت شيئاً فشيئاً إلى رياضة تجتذب الهُواة، ويجري تخصيص ساحات أو مناطق خاصة بهم لممارسة هوايتهم، ولكن ما أن تتحول قيادتها إلى الطرق العامة؛ فهذا ما يعرّضهم للمسؤولية والغرامة.

في حين تحوّلت الطرق العامة وحتى المناطق التجارية والسكنية في مختلف مناطق العراق وخاصة العاصمة بغداد إلى "حلبة سباق" كما يقول الكثير ممّن ينتقدها كــ "ظاهرة سلبية" تعرّض الشباب والناس في الشارع للمخاطرة.

ويذكر المنتقدون أيضاً أنّ "عوادم السيارات لوحدها كفيلة بتلويث الجو؛ فكيف باستخدام مضخّمات الصوت التي تنشر الضوضاء الصوتية في الأرجاء" وتحيلها إلى "حفلة من الرعب" على حدّ تعبير الصحفي همام السلامي.

الچارجر.. من منظور اجتماعي نفسي

حاولَ الباحث الاجتماعي حيدر حسنين لفترة طويلة تفسير مثل هذه الظاهرة، وخرج بنتيجة مفادها أنّ "الأمر لا يعدو عن كونه هوساً أو ترفاً وتقليداً من قبل الشباب، وحالة التنافس التي تشتعل بينهم لاقتناء مثل هذا النوع من السيارات والاستعراض بها".

يذكر حسنين لـ (كلمة) بأنّ "القضية كذلك تفسّر على أنّها متنفّس للكثير من الشباب؛ الذين يعانون الفراغ الفكري والثقافي، ويعتبرون بأن قيادة مثل هذه السيارات مكمّلة لشخصياتهم".

ويضيف بأنّ "قلّة الوعي وراء تحوّل سيارة حالها حال أي سيارة أخرى؛ إلى شيء كمالي بالنسبة للشباب" الذين كما يقول: "يقع على عاتقهم مسؤوليات كبيرة تجاه أنفسهم وعوائلهم ومجتمعهم؛ وليسَ قضاء أجمل فترات حياتهم في مُتع وأشياء لا تنفعهم بل وقد تضرّهم في المستقبل".

وباعتقادِ حسنين أنّ "الأمر يعود لطريقة الاستخدام؛ فالچارجر سيارة مفيدة وقوية قياساً بغيرها، ولكنّها تصبح وبالاً على الشارع والناس في حالة الاستخدام الخاطئ لها وخصوصاً في قيادتها بسرعة جنونية".

أما بالنسبة للشباب فإن الأمر مختلف تماماً، كما تحدّث بذلك الشاب غزوان الخفاجي (22 عاماً) لـ (كلمة).

وقال: إن "أداء سيارة الچارجر قوي جداً، فضلاً عن تسارعها وقدرتها على السباق والمناورة، أما فيما يتعلّق بصوتها الذي يعتبره كثيرون "مزعجاً جداً" فهو بالنسبة له "يطرب سمعه" على حدّ قوله.

تتميّز سيارات الچارچر ذات المحرك الذي يعمل على وقود البنزين وبـ (6 أسطوانات) وحجم (3600 سي سي) ومربوطة مع گير (ZF) بـ (8 سرعات)، بأنّها سيارة عملية ومرغوبة جداً بين فئة الشباب، حتى أن كثيرين يتنافسون على اقتنائها، تلبيةً لرغبتهم الشخصية في الحصول على المظهر والقوّة.

يفضل الخفاجي أيضاً اقتناء هذا النوع من السيارات دون غيرها نسبةً إلى "توفّر قطع الغيار الخاصة بها، كما تسمح للشباب بالتعديل على شكلها الخارجي".

الچارجر.. بين الهواية والعمل

وخلال الأعوام الأخيرة، صارت الشوارع في أغلب المحافظات العراقية تغصّ بهذا النوع من السيارات، ناهيك عن تحويلها إلى "تكسي" للتنقّل بين المحافظات البعيدة، لتكون بذلك مصدر رزقٍ لكثيرين.

يحدّثنا محمد علي الجبوري وهو طالب جامعي: إنّ "سيارته الخاصة من نوع (الچارجر) تدرّ عليه ما يكفي من المال لإنفاقه على نفسه خلال مرحلة الدراسة".

ويضيف بأنّه "استغل ولع الشباب من زملائه في الجامعة لينضموا له في الذهاب والعودة مقابل أجر مالي جيّد جداً".

وفي وقت سابق، كانت مثل هذه الفئات من السيارات باهظة الثمن ولا يستطيع شراءها سوى الشباب من العوائل المرفّهة أو من أبناء المسؤولين، كما يقول الشاب علي داود (26 عاماً)، في حين استطاع هو من خلال عمله في مجال التأسيسات الكهربائية أن يشتري واحدةً وبمواصفات عاليةٍ جداً.

ويَرى الخبير الاقتصادي فلاح الصافي في حديثه لـ (كلمة) أنّ "الانتعاش الاقتصادي في البلد عموماً وزيادة الدخل المالي لدى الكثير من الأسر أنعشَ انتشار مثل هذه السيارات بين الشباب".

ويضيف بأنّ "السيارات الأمريكية ومنها هذا النوع مرغوب به في الأجواء العراقية الحارة والطرق الوعرة، ويتم إدخال أعداد كبيرة سنوياً، ولكن يقتنيها الشباب أكثر من غيرهم".

وفي متابعة سريعة لمجموعة چارچر العراق على موقع (فيس بوك) فإنّ أكثر من "900 ألف" شاب يتابعون يومياً ما يتم نشره عن الفئات الحديثة؛ فضلاً عن عروض البيع اليومية.

وتتراوحُ أسعار سيارات الچارچر في العراق ما بين (18.7 – 20.5 ألف دولار) وقد تكون أسعارها مناسبة إلى غيرها من السيارات الأخرى، ولكن لا يفضّلها الشباب بقدر تفضيلهم للسيارات التي تتسم بالسرعة والضخامة.

ولكن بالنسبة للمواطن عماد الأسدي فإنّ "استخدام سيارة الچارچر أو غيرها من السيارات الأخرى يعتمد على ثقافة وسلوك وشخصية السائق".

ويقول لـ (كلمة): إنّ "قيادة السيارة (فن وذوق وأخلاق) في جميع أنواعها، ولكن ما نستهجنه هو السرعة العالية والتهوّر بقيادة السيارة من قبل الشباب".

كما انتقد الأسدي ما وصفه بـ "شيوع حالة الفراغ" التي يعيشها الشباب هذه الأيام، "فيجدون متعتهم وشغفهم في قيادة السيارات السريعة وتشغيل الأغاني العالية واستخدام مضخّمات الصوت"، مضيفاً بأنها "ظاهرة غير حضارية ومستهجنة مجتمعياً".

في حين انتقدَ عدد من المواطنين "شيوع حالة ركوب الفتيات مع الشباب في سيارة رياضية أو سيارة الـ (الچارجر) وإصدار سلوكيات تنافي التقاليد والأعراف الاجتماعية والدين".

وأكدوا بأن "مثل هذه الحالة شاعت في العاصمة بغداد وبدأت تزحف نحو المحافظات الأخرى؛ وهو ما لا يبشّر بخير" وشددوا "على ضرورة أن تهتم العوائل والجهات المعنية بمحاربة مثل هذه الظواهر السلبية".

في حين يفسّرها آخرون بأنّها "حالة للهروب من الملل أو المخاطر والأزمات النفسية التي يتعرض لها الشباب بسبب الأوضاع المضطربة في البلاد".

ففي العاصمة بغداد ومحافظة بابل أيضاً، تحوّل بعض الساحات المحاطة بأشجار النخيل، إلى مضمار للسباق وممارسة ما تُعرف بـ "رياضة التفحيط"، وعادة ما تكون سيارات الچارچر هي الأبرز بين السيارات المشاركة.

يقول الشاب محمد صلاح: إن "أغلب السائقين هنا ينتمون إلى عائلات ثرية، ولديهم آباء لهم علاقات بالحكومة".

ويضيف أن "المال هنا هو وحده من يتحدّث" على اعتبار أن سيارات الجارجر باهظة الثمن، كما أن على صاحب السيارة "الاعتناء بها من باستخدام الوقود الجيّد والزيت الممتاز وغيرها من الاحتياجات الضرورية" كما يقول صلاح.

ومثل هذه الظاهرة التي تزداد يوماً بعد آخر، أشرتها صحيفة (The World) في تقرير لها نشرته باللغة الإنجليزية وترجمه (كلمة).

يقول التقرير: إنّ "الشباب العراقيين يشعرون بالملل ويعيشون حياة محفوفة بالمخاطر، ولذلك يلجأون إلى ممارسة هواية قيادة السيارات السريعة وهواية (التفحيط)".

ولفت إلى أن "مثل هذه الهواية لم تظهر في العراق إلا بعد الغزو الأمريكي عام (2003)، عندما غمرت السيارات المستوردة السوق العراقية بعد سنوات من العقوبات التجارية الدولية، وصار بإمكان نسبة كبيرة من الناس وبينهم الشباب اقتناء السيارات، التي كان من الصعب في السابق شراؤها".

"ما زاد عن حدّه انقلب ضده"!

تتسبّب القيادة السريعة للسيارات بحوادث مرورية من التصادمات وسقوط ضحايا جراء حالات الدهس وغيرها التي تحدث يومياً في مختلف محافظات البلد.

وبسبب التهوّر في القيادة وخصوصاً بين المراهقين والشباب، تتصاعد الحوادث المرورية عاماً بعد آخر.

وفي إحصائيات أخيرة، كشف رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان فاضل الغراوي، عن تسجيل (15 ألف) حادث مروري في العراق خلال عامي (2023 – 2024).

بيان للغراوي اطلع عليه (كلمة) قال فيه: إن "حوادث الاصطدام سجلت أعلى نسبة (56.3%) من مجموع الحوادث تليها حوادث الدهس بنسبة (32.3%)، ثم حوادث الانقلاب بنسبة (9.5%)، أما الحوادث الأخرى بنسبة (1.8%)"، لافتاً إلى أن "عام (2023) شهد تسجيل (12 ألف) حادث مروري، في حين شهد منتصف عام (2024) تسجيلَ (3 آلاف) حادث مروري".

ووفقا لإحصائيات مديرية المرور العامة ومديرية الطب العدلي ووزارة التخطيط، فإن الحوادث المسجلة في عام (2023) تسبّبت بوفاة (3019) ضحية منهم (2472) من الذكور بنسبة (81.9%)، و(547) من الإناث بنسبة (18.1%) من المجموع الكلي للوفيات، مسجلاً نسبة انخفاض مقدارها (0.1%) مقارنة بالسنة 2022 حيث كان عدد ضحايا حوادث المرور بوفيّات بلغت (3021) حالة، وعدد الجرحى بحوادث المرور لسنة 2023 بلغ (12314) مصاباً مسجلاً نسبة انخفاض مقدارها (2.9%) عن سنة 2022 حيث كان العدد (12677) جريحاً.

أما بالنسبة لموقف مديرية المرور من السائقين الذين يقودون سيارات بـ "أصوات مزعجة"، سبق وأن توعدت المديرية أصحاب مثل هذه المركبات بالحجز والغرامات.

وقبل عام ونصف ذكرت المديرية في بيان لها اطلع عليه (كلمة) أن مفارزها المرورية "ستقوم بحجز المركبات التي تصدر أصوات عالية بواسطة جهاز المضخم او المحورة ثقب الصالنصة، حيث ستكون مدة الحجز شهراً إضافة إلى الغرامة المالية".

ودعت المرور، المواطنين الى "الالتزام بتعليمات مديرية المرور العامة والابتعاد عن هذه المخالفة؛ لكي يتجنبوا المحاسبة القانونية".

كما أعلنت المديرية بتاريخ (23 تشرين الأول/ اكتوبر 2022)، عن إجراءاتها تجاه المركبات الرياضية ذات الأصوات العالية، فيما أشارت إلى فرض غرامة (100 ألف دينار) على تلك المركبات.

وبحسب قسم العلاقات والإعلام في المديرية فإن "قانون المرور ينص على عدم التسابق في الشوارع العامة والخطوط السريعة"، مبينًا أنّ "دوريات المرور متواجدة في الشوارع والخطوط السريعة لمراقبة ومحاسبة المخالفين".

وتابع أنه "سيتم حجز المركبات التي يصدر منها صوت مضخم بالعادم، وتغريم المخالف وفق القانون المروري بمبلغ (100 ألف دينار)، فضلًا عن إجباره على رفع العادم (الصالنصة)".

وأشارَ إلى أنّ "المركبات الرياضية يكون الصوت فيها من أصل التصنيع"، مشددًا على "التزام تلك المركبات بالسرعة خاصة في الأماكن ذات الكثافة السكانية؛ لمنع إصدار الضوضاء وإزعاج المواطنين".

ومع اتخاذ مثل هذه الإجراءات، فإن الواقع سيبقى عليه كما هو دون تغيير ملموس، فهو بحاجة بحسب الباحث الاجتماعي حيدر حسنين إلى "تثقيف مستمر للشباب بضرورة مراعاة حياة الناس وعدم إزعاجهم وكذلك حياتهم أيضاً".

وتابع بأنّ "الأمر بحاجة أيضاً إلى الردع أكثر، ومراقبة العجلات عبر الكاميرات والرادار في مختلف الشوارع وخصوصاً المكتظة بالسكان؛ في سبيل السيطرة على مثل هذه الظاهرة".



التعليقات