الاثنين 14 ربيع الأول 1447هـ 8 سبتمبر 2025
موقع كلمة الإخباري
الى كافة اخوتي الصحفيين.. إلا كربلاء!
حسين النعمة يكتب:
كاتب وصحفي عراقي من كربلاء
2025 / 09 / 07
0

اتعجب من بعض الزملاء في محافظةٍ يربو عدد سكانها على مليونٍ ونصف المليون، يختلط القادم إليها من أقصى الجنوب بالمهاجر من الغرب، ويتجاور فيها البغدادي مع الإيراني واللبناني والباكستاني والسوري وغيرهم على مائدةٍ واحدة، ولا تزال بعض الأقلام الصحفية تصرُّ على أن تصطاد في بركةٍ آسنة لتقول لنا: 

"هاكم صورة المجتمع كما نريدكم أن تروا".

يا عجبًا! أهذه هي الصحافة؟ أهذا هو "السبق الصحفي"؟ أن يُهمل المضيء، وتُغضّ الأبصار عن صور التكافل، وعن آلاف الموائد التي تُمدُّ في الأزقة، وعن عشرات المستشفيات والمواكب التي تخدم الإنسان بلا جنسية ولا لون، ثم لا يُرى إلا ظلّ معتم لحدثٍ مخزٍ هنا أو سقطةٍ هناك؟..

إن المدينة التي تقدست بمكينها الإمام الحسين عليه السلام، لا تُعرّى بجرّة قلم، ولا تُقاس قدسيتها بما ينضح من فم "زميلنا الصحفي" وهو يظن أن المدنية تعني أن تقتصر مهمته على جلد الناس بسياط النقد اللاذع.

فهل المدنية أن نصير كذلك المصور المهووس الذي لا يعرف من الكاميرا إلا خاصية "التكبير على العيب"؟!.

وهل الصحافة أن نتحول إلى غربال لا يلتقط إلا ما يسقط في قاعه من شوائب، أما الدرر فيعجز عن التقاطها؟..

سؤال آخر: لماذا لا يكتب هذا عن الوجه الآخر؟ عن مدينةٍ تحولت إلى مقصد عالمي، عن مجتمعٍ يوصَف بأنه من أكثر المجتمعات التزاما بوصية النبي صلى الله عليه وآله في القرآن والعترة؟ أم أن الفضيلة "لا تجلب التفاعل"، بينما الفضائح تُدرّ النقرات واللايكات؟..

إنني أتعجب: هؤلاء الذين يدّعون "الحداثة والمدنية"، هل يظنون أن المدنية أن نطعن في مجتمعنا بلا إنصاف؟.

أم أن المدنية الحقيقية أن نوازن بين النقد المسؤول وبين الإشادة بما يُبهج ويُعزّز الثقة؟..

لا نريد من أحد أن يُجمّل الواقع ويجمله بألوان زائفة، لكننا نريد أن يكون قلمنا وصوتنا شاهدا لا جلادا، ومرآةً تعكس النور كما تعكس الظل.. أما أن تظلّ أعمدة بعض الزملاء أسيرةً للجانب المظلم وحده، فتلك ليست صحافة… بل أقرب ما تكون إلى هواية التعكير!..

ولإنّ كربلاء التي ارتبط اسمها بالخلود والقداسة، لا يحق لأحدٍ أن يجرّدها من نورها بحبرٍ مائلٍ إلى الإساءة. 

وهنا أجدني أخاطبكم ـ أيها الصحفيون والإعلاميون والأدباء ـ أن لا تقفوا ساكنين أمام من يتعمد تعرية وجه كربلاء، وكأنها مدينة بلا تاريخ وبلا رسالة. مسؤوليتكم أعظم من الصمت، وأكبر من الاكتفاء بالمراقبة؛ مسؤوليتكم أن توازنوا الميزان، أن تكتبوا عن الجمال بقدر ما تُشخّصون القبح، وأن تحاربوا ليبقى وجه المدينة مشرقا كما يليق بموضعٍ تحتضنه ملائكة السماء، ويشهد له التاريخ بأنه قبلة للأحرار.

التعليقات