مثلما يوصي دائماً أتباعه وجميع العراقيين بمراعاة الضوابط الشرعية والتعاليم الإلهية لما فيها صلاحهم وخيرهم، يؤكّد على ضرورة الالتزام بالضوابط والقوانين في مختلف نواحي الحياة، فهو لا يدافع عن حقوق الناس فحسب؛ وإنما يحثّهم على الالتزام باللوائح القانونية وعدم مخالفتها وتحت عنوان (التقيّد بالأحكام والقوانين)، ويتجاوز الأمر التوصيات والتعليمات إلى إصدار الفتاوى، فمخالفة القانون في البلاد لا يجوز، خصوصاً إذا ما تسبّبت المخالفة ضرراً بالغاً بالآخرين، كما يفتي بحرمة القوانين المخالفة للشريعة الإسلامية السمحاء.
وكذلك فإنّ كلَّ من يتحايل على القانون تحت ذريعة "مطّاطيته" أو "ثغراته" فهو آثم، وبالنسبة للموظف الذي يخالفُ اللوائح والقوانين في دائرته فإن ما يتقاضاه من مرتّب شهري فهو "سُحت وحرام".
وكذا يحثّ تماماً على "التقيّد بأنظمة المرور، وعدم مخالفة الضوابط والالتزامات التي تعهّد بها الموظّف" وغيرها.
هذا هو موقف المرجعية الدينية العليا من القوانين الوضعية في العراق والدول الإسلامية وغير الإسلامية، والتي نبحثها في هذا الملف الخاص الذي أعدّه موقع (كلمة).
إنّ المرجع الأعلى السيد علي السيستاني الذي يُنظر له بوصفه الرجل الأكثر تأثيراً واحتراماً في العراق والعالم، يؤكّد في كل مرّة بأنه "لا يجوز مخالفة القوانين، إذا كانت تؤدي إلى الإضرار بمن يحرم الإضرار به من محترمي النفس والمال، بل مطلقاً على الأحوط وجوباً، إلّا إذا كانت مخالفةً للشريعة".
إنّ أكثر ما يخشاهُ السيد السيستاني على أتباعه وجميع العراقيين من بقية المكوّنات، أن تعود مخالفة القوانين بالضرر عليهم وعلى الصالح العام، وهذا يعني أنّ الفوضى ستحلُّ محلّ الضبط، والمال الحرام ينخر بالأجيال، ويحوّل حياتهم إلى عدم.
في إحدى توصياته التي نشرها الموقع الرسمي لمكتبه في مدينة النجف قبل (10 سنوات)، ينصحُ المرجع الأعلى المؤمنين قائلاً:
"ننصحُ جميع المؤمنين باحترام القوانين الجارية الضامنة لمصالح المجتمع والوفاء بالتزاماتهم العقدية والاجتناب عن الاعمال الموضعية التي تسلب البركة في الدنيا وتوجب الإثم في الآخرة، وعليهم ان يرسوا قواعد الخلق الإسلامي النبيل في المجتمع الذي يعيشون فيه؛ ليكونوا مثالاً يقتدي بهم".
يذكّر المرجع الأعلى في توصياته المؤمنين بالأحاديث الشريفة ومنها: (كلّكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته)، داعياً للجميع بأن "يأخذ الله تعالى بأيديهم إلى ما فيه الخير والصلاح".
ويؤيّد السيد السيستاني بحسب الكاتب (شارون أتورمان) "إقامة دولة إسلامية تتوافق مع إقامة الانتخابات وحرية الدين وحرية التعبير عن الرأي وغيرها من الحريات المدنية".
ولم تأتِ مثل هذه التوصيات وحتى الفتاوى، قبل إصراره على أن يضع العراقيون دستور بلادهم بأنفسهم، وعدم القبول بالدساتير المستوردة، أو القوانين التي أراد الاحتلال الأمريكي ما بعد (2003) إيجادها في العراق؛ كيما تصبح "قيوداً عليهم لا يستطيعون الانفكاك عنها، بل وتشرعن للمحتلين استمرار هيمنتهم على البلد" هكذا يقول الصحفي عماد الشمري لـ (كلمة).
التأكيد على كتابة دستور للعراقيين
في شهر (حزيران/ يونيو 2003) أصدر السيد السيستاني فتوى تنصّ على أن واضعي الدستور العراقي لابد وأن يتم انتخابهم من الشعب وليس تعيينهم من قبل المسؤولين الأمريكيين.
وكذلك أصدر بتاريخ (تشرين الثاني/ نوفمبر 2003) بياناً قال فيه: إن "الانتخابات هي الطريقة الصحيحة لاختيار حكومة انتقالية".
وقد طالبه مجموعة من المؤمنين ببيان الموقف الشرعي من تشكيل سلطات الاحتلال لمجلس خاص بكتابة الدستور العراقي.
فكان جوابه كما نشره الموقع الإلكتروني لمكتبه في النجف: إن "تلك السلطات لا تتمتع بأية صلاحية في تعيين أعضاء مجلس كتابة الدستور ، كما لا ضمان ان يضع هذا المجلس دستوراً يطابق المصالح العليا للشعب العراقي ويعبّر عن هويته الوطنية التي من ركائزها الأساس الدين الإسلامي الحنيف والقيم الاجتماعية النبيلة ، فالمشروع المذكور غير مقبول من أساسه ، ولابدّ أولاً من إجراء انتخابات عامة لكي يختار كل عراقي مؤهل للانتخاب من يمثّله في مجلس تأسيسي لكتابة الدستور، ثم يجرى التصويت العام على الدستور الذي يقرّه هذا المجلس، وعلى المؤمنين كافة المطالبة بتحقيق هذا الأمر المهم والمساهمة في إنجازه على أحسن وجه".
كما طالبَ السيّد السيستاني "بمشاركة الأمم المتحدة في الإشراف على عملية الانتخابات"، ودعا أيضاً إلى "تشكيل جمعية انتقالية للتصديق على الدستور" وقد تمَّ الأخذ بكل آرائه وتوصياته، رغم ممانعة الاحتلال الأمريكي آنذاك.
وبعد هذه الحادثة بعام، بعثت المرجعية الدينية العليا بتاريخ (6 يونيو/ حزيران 2004) رسالةً إلى رئيس مجلس الأمن الدولي تحذر من الإشارة إلى قانون إدارة الدولة في القرار الدولي (1546)، والتي حملت مضامين مهمة وأظهرت رفض المرجعية الدينية
حيث جاء فيها: "بلغنا أن هناك من يسعى إلى ذكر ما يسمّى بـ (قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية) في القرار الجديد لمجلس الأمن الدولي حول العراق؛ بغرض إضفاء الشرعية الدولية عليه"، مضيفةً أن "هذا (القانون) الذي وضعه مجلس غير منتخب وفي ظل الاحتلال وبتأثير مباشر منه يقيّد الجمعية الوطنية المقرّر انتخابها (...) لغرض وضع الدستور الدائم للعراق".
واعتبرت المرجعية في رسالتها بأنّ هذا الأمر "مخالف للقوانين ويرفضه معظم أبناء الشعب العراقي"، مؤكدةً بأنّ "أيّ محاولة لإضفاء الشرعية على هذا (القانون) من خلال ذكره في القرار الدولي، يعدّ عملاً مضاداً لإرادة الشعب العراقي وينذر بنتائج خطيرة".
وقد تمّ اعتماد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم (1546) بالإجماع بعد يومين من رسالة المرجعية، وبعد أن أكَّد على قراراته السابقة المتعلقة بالعراق، وأيَّد تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة، ورحَّب بإنهاء الاحتلال وإقرار حالة القوات متعددة الجنسيات وعلاقتها بالحكومة العراقية.
وطوال هذه السنوات، كان موقف المرجعية العليا ثابتاً لا يتغير بالنسبة لاحترام القوانين وتطبيقها، وهي تؤكّد بالدرجة الأولى على "تحكيم سلطة القانون"، والتي نقرأها في بيانات عديدة وفي خطب الجمعة أيضاً التي يتلواها ممثّلاه في مدينة كربلاء.
كما وردت هذه العبارة في بيانه الصادر بتاريخ (4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024) عقبَ استقباله لرئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) السيد محمد الحسان.
فبعد أن يتم "تحكيم سلطة القانون" على المستوى الرسمي والشعبي، إلى جانب تحقيق أمور أخرى ذات أهمية على المستوى السياسي مثل التشديد على مكافحة الفساد، فإن المرجع الأعلى يؤكد على أنها "ستحقّق مستقبلاً أفضل للعراق، ينعمُ فيه الجميع بالأمن والاستقرار والرُّقي والازدهار".
دفاع المرجعية العليا عن الحقوق
لم يُعرف عن المرجع الأعلى السيد علي السيستاني يوماً عدم وقوفه إلى جانب حقوق الناس، بل وصل الأمر إلى إصدار بيانات شديدة اللهجة ضد كلّ من يتعدّى على حقوق الآخرين، ويحث على صيانتها وحفظ حرمتها.
وقد يكون الأمر صادماً للكثيرين، عندما يشدّد السيد السيستاني على اتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة بحق كل يبدي تصرّفات مشينة، حتى لو كان رجلاً "بزي ديني".
وعن سؤال وجّهته مراسلة (بي بي سي) نوال المقحفي بتاريخ (25 سبتمبر/ أيلول 2019) إلى مكتب المرجع الأعلى في النجف ذكرت فيها: "لدينا تسجيل مصور يثبت أن اثنين من رجال الدين في العراق ممن يصفون أنفسهم بأنهم من أتباع آية الله العظمى السيد السيستاني يخالفانِ القانون العراقي بتوفير او الاستعداد لتوفير نساء من اجل زواج المتعة وهما يتقاضيان مالاً لقاء هذه (الخدمة) التي تعدّ متاجرة بالجنس".
جاء جواب مكتب المرجعية العليا بهذه الصيغة: إنّ "هذه الممارسات إن كان لها واقع كما ذكرتم فهي مدانة ومستنكرة بكل تأكيد، ومن هو من أتباع المرجعية الدينية حقاً لا يقوم بها، والزواج الموقت الذي يجوز في مذهب الإمامية ـــ وكذلك ما يشبهه من الزواج الدائم المبني على اسقاط الحقوق الزوجية عدا حق المضاجعة ــ لا يسوّغ أن يتخذ وسيلة للمتاجرة بالجنس بالطريقة المذكورة التي تمتهن كرامة المرأة وإنسانيتها، ولا يتبعها إلا ضعاف النفوس الذين لا يتورعون عن استغلال الدين وسيلة؛ للوصول الى أهدافهم غير المشروعة".
هنا أرادت المرجعية العليا التأكيد حفظ كرامة المرأة والاعتناء بقيم العفاف والاحتشام، وصيانة الأسرة والمحافظة عليها، كما لا يجوز أن يستغل أي تشريع ديني بما ينافي هذه الأهداف العالية والقيم الأساسية.
وجاء في الجواب ذاته أيضاً أنه "يتعيّن على السلطات المعنية اتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة عن هذه التصرفات المشينة أينما كانت".
وهذا يعني، أن المرجعية الدينية العليا بالضد تماماً في التعدي على حقوق الآخرين واستغلالهم لأهواء شخصية.
رفض التعدّي على ممتلكات العراقيين
ويتطوّر الأمر لموقف المرجعية الدينية العليا وعدم سماحها بالتعدي على حقوق الناس، خلال استقبال السيد السيستاني لعدد من المواطنين من أهالي منطقة (الجادرية) في العاصمة بغداد، بعد أن ظهروا في وسائل الإعلام واشتكوا مما يتعرّضون له من ضغط وتهديد للتخلي عن أراضيهم لصالح بعض الجهات.
ووفقاً لبيان أصدره مكتبه في النجف بتاريخ (19 أغسطس/ آب 2023)، فقد "أدان سماحته هذه الممارسات المخالفة للشرع والقانون"، مؤكداً أن "من أهم واجبات من هم في مواقع السلطة وبيدهم زمام أمور البلد هو حماية ممتلكات المواطنين وحقوقهم، والوقوف في وجه من يسعون في التعدي عليها بالإرعاب والتخويف، ولاسيما من يحملون صفات رسمية".
المرجعية مع سنّ القوانين الشرعية
مثلما تؤكّد المرجعية الدينية العليا على ضرورة تشريع القوانين التي تخدم المصلحة العامة، فهي تدعو إلى أن صياغة قوانين متوافقة مع الشريعة الإلهية؛ من أجل ضمان حقوق الناس وعدم حصول ظلمٍ أو انتهاك.
وسبق وأنّ جرى مناقشة مشروع (قانون حماية الأسرة) في العام الماضي، ورافق ذلك لغطٌ كبير على المستوى الشعبي وحتى الرسمي داخل قبّة البرلمان.
والسبب في ذلك يعود إلى أن هذا القانون ضمّ بنوداً لا تراعي الوضع الديني والاجتماعي للعراقيين، فقد ظهر للعراقيين أنّه قانون مستورد وغربي، ويضم فقرات يرفضها الشرع جملةً وتفصيلاً.
وقد أصدر مكتب السيد السيستاني في النجف، بتاريخ (2 أغسطس/ آب 2023)، توضيحًا بشأن مشروع قانون حماية الأسرة.
وقال مصدر مسؤول بمكتب المرجعية العليا: إن "ما ادعاه بعض النواب السابقين من أن مشروع (قانون حماية الأسرة) قد عُرض على مكتب السيد وحظي بقبول المرجعية، فإنه لم يسبق لمكتب السيد اللقاء بأي وفد نيابي لبحث هذا المشروع، ولم يعرض عليه من قبل أي جهة رسمية أو حوزوية"، مؤكداً أن "كل ما ادّعي بهذا الخصوص، لا أساس له من الصحة بتاتاً".
وفي جانب سن القوانين أيضاً، كانت المرجعية الدينية العليا قد دعت في وقت سابق إلى سنّ قوانين لتحويل ما وصفته بالفوضى إلى "حرية".
جاء ذلك في خطبة الجمعة بتاريخ (5 يناير/ كانون الثاني 2019) التي تلاها ممثل المرجعية الدينية العليا السيد أحمد الصافي.
ودعا الصافي إلى "سنّ قوانين لتتحوّل الفوضى الى حرية"، رافضاً "التعدي على المصالح العامة". كما تحدّث أيضاً عن الفارق بين الحرية والفوضى.
كما دعتِ المرجعية الدينية العليا المؤسسات التشريعية إلى إقرار القوانين التي تحمي وتوفّر الخدمات العامة.
وقال ممثل المرجعية الشيخ عبد المهدي الكربلائي في خطبة الجمعة من الصحن الحسيني بتاريخ (21 ديسمبر/ كانون الأول 2018): إن "على المؤسسات التشريعية إقرار القوانين التي تحمي وتوفر الخدمات العامة".
وأشار الكربلائي الى أن "المؤسسات التربوية عليها دور كبير في توعية المجتمع"، مؤكداً أن "المرجعية الدينية ترفض منح الامتيازات دون رقابة او محاسبة"، لافتا الى أن "البحث عن المصالح الخاصة على حساب المصالح العامة يؤثر على المجتمع ويهدّد مستقبل الأجيال".
وتتصاعد الأهمية أكثر بالنسبة لتشريع قانون جديد للانتخابات، يضمن حقوق جميع المكونات العراقية؛ في الوقت الذي لا يلبّي القانون السابق لمفوضية الانتخابات طموحات أغلب أبناء الشعب العراقي؛ بل أدى إلى الحصول على مصالح فئوية وحزبية على حساب الصالح العام.
ففي خطبة الجمعة بتاريخ (20 ديسمبر/ كانون الأول 2019)، شدّدت المرجعية الدينية العليا على لسان الشيخ الكربلائي "على ضرورة الإسراع بتشكيل حكومة جديدة تعيدُ هيبة الدولة وتحفظ الاستقرار"، كما دعت إلى "إجراء انتخابات مبكرة بعد تشريع قانون انتخابات جديد ومنصف وتشكيل مفوضية جديدة ونزيهة".
وذكر في الخطبة ذاتها: "إذا تمّ إقرار قانون الانتخابات على الوجه المقبول، يأتي الدور للنخب الفكرية والكفاءات الوطنية الراغبة في العمل السياسي؛ لتنظم صفوفها وتعدّ برامجها؛ للنهوض بالبلد، وحلّ مشكلاته المتفاقمة في إطار خطط عملية مدروسة".
وفي طور ضرورة احترام القوانين في البلاد، أكّد ممثل المرجعية الدينية السيد أحمد الصافي في خطبة الجمعة بتاريخ (2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012) أن " البناء المؤسساتي لا يأتي بالشعارات، وأن العمل المؤسساتي يجب أن يحترم القانون".
وأضاف الصافي، "إذا أردنا للبلد الخير ينبغي أن لا يعمل المسؤول وفق مصالحه الشخصية" وهذا يعني على ضرورة احترام القانون من قبل الجميع مسؤولين ومواطنين.
مدرسة النجف وآراء علمائها
ينطلقُ المرجع الأعلى السيد علي السيستاني بآرائه الفقهية وفقاً لما عرفته الحوزة العلمية في النجف، وما عمل عليه أسلافه من مراجع التقليد، حيث ذهبوا إلى أن حدودهم تقف عند "الفتوى" و"القضاء" و"الأمور الحِسْبية" لأتباعهم من خلال تفسير القرآن الكريم والنصوص الإسلامية واستخدام الحكم المستقل.
أما فيما يتعلّق بالقوانين التي تُعرف بأنها "قوانين وضعية" وليست "سماوية" فإنهم يؤيدون تطبيقها في ظلّ عصر الغيبة ما لم يخالف الثوابت طبعاً، أما الإمام المعصوم فهو من يحقّ له وليس لغيره تطبيق الشريعة الإسلامية (السماوية) بحذافيرها.
وعن القوانين الحكوميّة التي لا تتنافى وثوابت الشرع، فإن الحكم برأي الفقهاء يستند على مقولة وجوب حفظ النظام، وتمثّل هذه المقولة مبدءاً فقهياً تنتج عنه جملة من الأحكام، وغرضاً شرعياً تبتني عليه وتترشح منه العديد من الفتاوى، فهو ليس مجرّد حكم شرعي كسائر الأحكام الشرعيّة، وإنّما هو مبدأٌ عام في الفقه الإسلامي.
كما يبيّن رجل الدين السيد علي العزّام الحسيني في مقال له نشره موقع (الأئمة الاثنا عشر) القريب من المرجعية العليا، أنّ "الفقه الشيعي وفتاوى الفقهاء والمرجعية المعاصرة على الخصوص يبرز فيها عنوان (التقيّد بالأحكام والقوانين)".
ويضيف أن "المقصود من الأحكام هنا هي الأحكام الشرعيّة، فيما يراد من القوانين: القوانين الحكوميّة، فإذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ التقيد يشير للإلزام، فإنّ ما يعنيه العنوان آنفاً هو: عدم جواز مخالفة القوانين الحكوميّة، وحرمة مخالفة الضوابط المرعيّة عند الدولة، والأمر سواء في الدول الإسلاميّة، أو غير الإسلاميّة".
ويقسّم الفقهاء بحسب الحسيني الواجبات الشرعيّة إلى قسمين:
- واجب نظامي، وهو: كلّ ما كان وجوبه لأجل حفظ نظام العباد، كجميع صنوف الصناعات التي يتوقف نظام الناس عليها.
- واجب غير نظامي، وهو ما كان وجوبه لأجل غرض عائد إلى الأشخاص غير جهة حفظ النظام، ويشمل هذا: العبادات (ما يجب فيه قصد القربة).
ومن الأمثلة الكثيرة على ضرورة تطبيق القوانين وعدم التجاوز أو التحايل عليها، يوجّه سؤال من أحد المحامين للمرجع الأعلى مفاده: أنا أعمل بصفة محامي واتقاضى أتعاب مقابل إكمال دعاوى الناس، حيث أنّ أغلب الدعاوى حالياً فيها إشكال شرعي من ناحية القانون الوضعي؛ كون القانون في بعض نصوصه يخالف الشرع" على حدّ قوله.
وبحسب آراء المرجع الأعلى فإنه "لا إشكال في مهنة المحاماة فيما كان العمل مباحاً، كما اذا كان لإحقاق الحق والعدل وفْق الموازين الشرعية، وتطبيق القوانين النافذة شرعاً، والتي لا تخالف الثوابت الشرعية أو أي حكم إلزامي، يحل الراتب كله اذا كان العمل كله من هذا القبيل".
احترام القوانين في دول غير الإسلامية
وفي طور الحديث عن تأكيد المرجعية الدينية العليا على ضرورة احترام القوانين، فلو تفحّصنا جيداً آراء وإرشادات السيد السيستاني، سنجد أنّها لا تحثُّ المؤمنين في الدول الإسلامية على الالتزام بالقوانين والعمل بها واحترامها؛ وإنما تحثّ حتى المؤمنين في الدول غير الإسلامية.
ففي كتابه (الفقه للمغتربين) نجدُ هذه الخصوصية الشديدة في ضرورة احترام القوانين للمؤمنين الشيعة في الدول غير الإسلامية.
وجاء في مقدّمة الكتاب أن الدول المختلفة "تسنّ قوانين لتنظيم شؤون الحياة فيها، فتأمر أحياناً بفعل شيء، وتمنع أحيانا من فعل شيء، وتحدِّد وتقيِّد فعل شيء، وغير هذه وتلك من الخصوصيات الأخرى" مضيفاً أن "من جملة هذه القوانين تلك القوانين الخاصة بالمرافق العامة المتعلقة بحياة الناس اليومية داخل بقعة جغرافية محدَّدة، بحيث يؤدي تجاوزها وتخطيها الى شيوع الفوضى والاضطراب".
ومن هذه الضوابط التي يؤكد عليها المرجع الأعلى (حرمة وضع ما يضر بالسالكين في الطرق العامة، حكم لصق الإعلانات على الواجهات الخارجية المملوكة للآخرين، حرمة سرقة أموال غير المسلمين العامة والخاصة وحرمة إتلافها، حرمة سرقة أموال غير المسلمين عند دخولهم للبلدان الإسلامية، حرمة أخذ الرواتب بطرق غير مشروعة وحرمة زيادتها، عدم الحق في تقديم معلومات غير صحيحة لشركات التأمين وافتعال حادث ما مقابل مال، حرمة التلاعب بعدّادات الماء والكهرباء والغاز) وغيرها.