احتفل الإيزيديون في محافظة نينوى، يوم الأربعاء، بذكرى حلول السنة الميلادية الإيزيدية، وسط فعاليات وطقوس خاصة، اعتادوا على إقامتها كل عام.
وفي إزاء هذه الاحتفالات وإيقاد شموع الفرح بالمناسبة، يستذكر الكثيرون مواقف المرجعية الدينية العليا في النجف، وجهود القوات الأمنية والحشد الشعبي في تحرير الأراضي والمناطق التابعة للإيزيديين من قبضة عصابات داعش الإرهابية.
وتحدّث عدد من المراقبين لموقع كلمة الإخباري، أنّ "مواقف السيد السيستاني ودعوته إلى حماية أبناء المكوّن الإيزيدي تعد مواقف تاريخية لا تكرر".
وأضافوا بأنّ "مكوناً بأكمله تعرّض للقتل والتهجير والتشريد والاختطاف من قبل العصابات الإرهابية، ولولا دعوات المرجعية بحمايتهم وضمان حقوقهم، لكانت المأساة ستكون أكثر إيلاماً وقسوة" بحسب قوله.
الإيزيديون يثمنون مواقف المرجعية
بتاريخ (22 كانون الأول 2022) بعث مرجع الأمة الإيزيدية في العراق والعالم، نايف بن داود رسالة إلى السيد السيستاني يثمّن فيها مواقفه تجاه أبناء المكوّن الإيزيدي الذين تعرضوا للظلم والاضطهاد من قبل عصابات داعش الإرهابية، كما التمس فيها أن "أن يقبلهم كأبنائه بعدما شملهم بعطفه ورعايته في أصعب الظروف".
كانت هذه الرسالة اعترافاً من قبل هذا المكوّن الذي نال منه الظلم والعنف خلال احتلال العصابات الإرهابية لمحافظة نينوى، حيث شهدت مناطقهم ومنها قضاء سنجار، حالات كبيرة من القتل والتهجير طالت الآلاف منهم.
يقول ابن داود في رسالته للسيد السيستاني التي اطلع عليها كلمة الإخباري: "لم نلمس من وقف في الدفاع عنا على مرّ التاريخ مثل ما وقفت المرجعية الدينية العليا معنا خلال احتلال داعش".
ويضيف، "كيف لنا أن ننسى الفتوى التاريخية التي أطلقها سماحته (الأيزيديين أمانة في أعناقنا) و(المختطفات الأيزيديات أخواتنا وبناتنا وعزنا وشرفنا وكرامتنا وهنّ شرف لكل عراقي شريف وغيور)".
كانت المرجعية العليا في النجف تراقب عن كثب وباهتمام عالٍ مجريات الأحداث في محافظة نينوى بعد اجتياح العصابات الإرهابية لها، ودعت العراقيين إلى حمل السلاح ومواجهة الإرهابيين، فيما عُرفت بـ (فتوى الدفاع الكفائي).
وبعدَ تعرّض الإيزيديين للسبي والاضطهاد والتهجير واختطاف النساء، حثّت المرجعية على ملبي الفتوى والقوات الأمنية، على نصرتهم وتحرير مناطقهم من الإرهاب.
كما استقبل السيّد السيستاني بتاريخ (10 أيلول/ سبتمبر 2014)، وفداً من المكون الإيزيدي، وكان لقاءً مهماً بحسب المتحدث باسم الإيزيديين صائب خضر نايف.
وأكد نايف في وقتها أن "كلمة المرجع السيستاني أثلجت صدورهم وأشعرتهم بالطمأنينة".
وقال: إنّ "أكثر من (3 آلاف) قتيل سقطوا من الإيزيديين، إلى جانب (5 آلاف مختطف) و(400 ألف مشرّد ومهجر)، و(1500 امرأة منهم مختطفة لدى العصابات الإرهابية".
وفي أعقاب اللقاء أوضح بأن "المرجع السيستاني كانت له مواقف كبيرة بالوقوف إلى جانبهم، في معاناتهم ومأساتهم التي تعرّضوا لها، من أحداث سنجار وما صاحبها من أحداث خطف وقتل وسبي".
واضاف خضر أن "سماحة المرجع السيستاني، كان متجاوباً معنا في الكثير من الأفكار، وكانت له معرفة تامة وشاملة بما تعرض له أبناء الطائفة الإيزيدية، وأبدى تحمّسه وتعاطفه وحزنه لما تعرّض له"، بحسب قوله.
المرجعية العليا تدعو لتوثيق جرائم داعش
وخلال استقبال السيد السيستاني بتاريخ (23 كانون الثاني/ يناير 2019) للمستشار الخاص ورئيس الفريق التابع للأمم المتحدة للتحقيق بجرائم داعش ـ كريم خان ـ طالب السيد السيستاني "المجتمع الدولي بمساعدة الحكومة الاتحادية في ملف عودة النازحين لمناطقهم، مؤكداً "ضرورة محاسبة مرتكبي جرائم داعش وتعريف العالم بمدى خطورة هذه الفئة الإرهابية على الإنسانية عامة".
كلمات المرجعية أصبحت خارطة للمستقبل
أما الباحث في معهد (جوجو كوست) الألماني، سعيد مراد فيقول في تصريح له تابعه كلمة الإخباري: إنّ "موقف السيد السيستاني كان قمةً في الإنسانية، ولم نتصور كل هذا التعاطف والتعاطي مع مأساة الإيزيديين".
ووفقاً لمراد فإن "الآلاف من أبناء المكوّن كان يستعدون للسفر إلى أوروبا، ولكن كلمات السيد السيستاني أصبحت خارطة طريق للبقاء في وطنهم" بحسب قوله.
كما تحدّث مدير مركز البحوث والدراسات في مجلس الأقليات العراقية خلدون النيساني قائلاً: إنّ "الموقف الإنساني النبيل الذي سيبقى خالداً في أذهان الإيزيديين هو موقف المرجع الأعلى السيد علي السيستاني؛ حيث وقف معهم في محنتهم منذ اليوم الأول الذي تعرضوا فيه الى هجوم داعش عام 2014".
الحشد الشعبي يحرّر قرى الإيزيديين
وفي ظلّ تثمين مواقف المرجعية من قبل الإيزيديين، واصلَ الحشد الشعبي وملبو فتوى الدفاع الكفائي التي أطلقها السيد السيستاني، إلى جانب القوات الأمنية تحرير الأراضي العراقية ومن بينها مناطق الإيزيديين التي طالها التدمير والتهجير.
بتاريخ (28 أيار/ مايو 2017) أعلنت قوات الحشد الشعبي العراقية دحر تنظيم "داعش" في القرى الإيزيدية في منطقة جبل سنجار غرب الموصل بمحافظة نينوى.
ومن القرى التي حررتها قوات الحشد قرية كوجو حيث اختطف مسلحو التنظيم عام 2014 مئات النساء الإيزيديات.
وأكّد الحشد الشعبي في وقتها أن "جميع القرى في جبل سنجار سيتم تحريرها من العصابات الإرهابية لضمان عودة أبناء الطائفة الإيزيدية".
ولم تتوقف جهود الحشد الشعبي بعد ذلك على تحرير مناطق الإيزيديين، بل وطالبت في مرات عديدة طالبت بإنصافهم ومنحهم الحقوق الكاملة.
وأصدر الحشد الشعبي بتاريخ (11 أيار/ مايو 2022) بياناً دعت فيه إلى "ضرورة حسم ملف المقابر الجماعية وفتح المتبقي منها واستمرار جهود البحث عن المختطفين الإيزيديين في داخل العراق وخارجه".
كما أكدت على "تعاطفها الكامل مع أبناء المكون الايزيدي وما تعرّضوا على يد عصابات داعش الارهابية"، مشددةً "على ضرورة استمرار دعم الإيزيديين في نيل حقوقهم، وتعريف المجتمع العراقي والدولي بحجم الجرائم التي تعرضوا لها".
وبعد سنوات من القهر والتهجير، عادت العوائل الإيزيدية إلى مناطقها في جبل سنجار، فيما ظل الألوية التابعة للحشد الشعبي تسهم في تأمين هذه المناطق، ومنع حدوث أي خرق أمني أو السماح بعودة العصابات الإرهابية.
وسجّل شهر (آذار/ مارس 2024) عودة العشرات من العوائل الإيزيدية المهجرة إلى مناطق سكناها في قضاء سنجار، بعد مرور عقد كامل على تهجيرها والعيش في مخيمات للنازحين.
ونظمت منظمة الهجرة التابعة للأمم المتحدة، بالتنسيق مع وزارة الهجرة والمهجرين العراقية وإدارة الهجرة والاستجابة للأزمات في محافظة دهوك، عملية إعادة العائلات الإيزيدية من دهوك الى مناطق سكناها في سنجار.
وقال قاسم غانم وهو أيزيدي نازح من سنجار: إنهم "عادوا إلى منازلهم وبدأوا الحياة من جديد".
اعتزاز عميق بأبناء المكوّن الإيزيدي
وفي ظل هذه التطورات، تشارك الألوية التابعة للحشد الشعبي في كل عام بتأمين الاحتفالات الخاصة التي يقيمها أبناء المكون الإيزيدي، ومنها أعيادهم برأس السنة الإيزيدية.
وفي هذه المناسبة التي يحتفل بها الإيزيديون هذه الأيام، أعرب الحشد الشعبي في بيان عن سعادته، فيما تمنّت أن "تحمل هذه المناسبة المباركة بشائر الخير والسلام والمحبة على الجميع".
وذكر البيان الذي تلقى كلمة الإخباري نسخةً منه، "نؤكد اعتزازنا العميق بما يمثله المكون الإيزيدي من عمقٍ حضاري وثقافي أصيل في النسيج الوطني العراقي، مشيدين بصمودهم وتضحياتهم في مواجهة التحديات".
كما أكد على الالتزام "في دعم حقوقهم وترسيخ مبادئ التآخي والتعايش بين جميع أطياف الشعب العراقي الكريم".