الجمعة 8 ذو الحِجّة 1446هـ 6 يونيو 2025
موقع كلمة الإخباري
التفكير الإبداعي وفق رؤية أهل البيت
حسن الهاشمي
هل تحب ان يكون قولك مسموعا وعملك متبوعا؟ هل ترغب ان تكتسب محبة الناس وتدخل قلوبهم على حين غرة؟ هل ترغب ان تكون عالما ورائدا في التفكير والابداع؟ هل تسعى ان تكون متواضعا محبا للخير بعيدا عن تداعيات التكبّر والحسد والنفاق؟ إذا عزمت ان تتصف بكل ما ذكرنا ما عليك إلا ان تركب سفينة أهل البيت عليهم السلام لتتحصن بالأخلاق السامقة والعلوم الحقة والسعادة الحقيقية في الدنيا والأبدية في الآخرة.
2025 / 06 / 02
0

هل تحب ان يكون قولك مسموعاً وعملك متبوعاً؟ هل ترغب ان تكتسب محبة الناس وتدخل قلوبهم على حين غرة؟ هل ترغب ان تكون عالما ورائدا في التفكير والابداع؟ هل تسعى ان تكون متواضعا محبا للخير بعيدا عن تداعيات التكبّر والحسد والنفاق؟ إذا عزمت ان تتصف بكل ما ذكرنا ما عليك إلا ان تركب سفينة أهل البيت عليهم السلام لتتحصن بالأخلاق السامقة والعلوم الحقة والسعادة الحقيقية في الدنيا والأبدية في الآخرة.  

الانسان وبما انه مركب من المادة والروح، عليه ان يوازن فيما بينهما ليستطيع ان يواجه الحياة بكل جرأة وطمأنينة دون ان ينال من أحدهما على حساب الآخر، فالدنيا مطلوبة ولكن بقدر ما تعينك على الارتقاء في سلم المجد والعلم والمعرفة، ليس كل معرفة ولكن المعرفة التي تقرّبك الى الله تعالى زلفة وتكون أداة فاعلة في البناء لا معول هدم وخراب في المجتمع، تلك المعرفة التي قال عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله): (منهومان لا يشبعان: طالب علم، وطالب دنيا، فأما طالب العلم فيزداد رضى الرحمن، وأما طالب الدنيا فيتمادى في الطغيان) بحار الانوار للمجلسي: 1 / 182 / 75.

"المنهوم" هو شديد الشهوة والرغبة، وطالب العلم لا يشبع من التعلم والمعرفة، وكلما ازداد علما ازداد رغبةً وشوقا وتواصلا؛ لأنه كلما ازداد علما، اتسعت آفاقه، وازدادت رغبته في معرفة المزيد، وهذا النوع ممدوح في الإسلام، أما طالب المال لا يكتفي بما عنده، بل يسعى دائما لجمع المزيد، وغالبا ما يؤدي به الطمع إلى الظلم أو الانشغال عن الآخرة، وهذا مذموم إن لم يُضبط بضوابط شرعية، فالحديث الشريف يسلط الضوء على نوعين من الشغف: أحدهما محمود (طلب العلم)، والآخر قد يكون مذموما إذا طغى على النفس (طلب المال).

المال مطلوب لا لنفسه بل لغيره، خصوصا إذا سخّر من أجل الوصول الى المعرفة الحقة والأخلاق الفاضلة، وخلاصة الحديث يُلفت النظر إلى طبيعة النفس البشرية، ويدعو إلى تهذيب الطمع في المال، وتشجيع الشغف بالعلم، لأنه يقود إلى الكمال الروحي والمعرفي، ولأهمية العلم في ارتقاء المجتمعات وازدهارها، دعا ممثل المرجعية الدينية العليا سماحة العلامة السيد أحمد الصافي، إلى الحفاظ على شعلة العلم والتطور وعدم توقّف النشاط العلمي عند حد معين.

جاء ذلك في حديث سماحته لوفد أكاديمي نسوي من الملاك الإداري لجامعة الزهراء (عليها السلام) في إيران يوم الجمعة، 9 مايو 2025 م الذي تلقّى محاضرات دينية وثقافية ضمن برنامج نظمته شعبة العلاقات النسوية التابعة لمكتب المتولي الشرعي في العتبة العباسية المقدسة، استمر خمسة أيام.

وقال سماحته: "أرحب بكن جميعًا، أخواتنا العزيزات من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، يسعدني كثيرا اللقاء بكن في ختام هذه الدورة التي حاضرت فيها مجموعة من أخواتنا الكريمات، من منتسبات الشعب النسوية في العتبة المقدسة، وددت أن أتناول معكن بعض النقاط المختصرة وأن أستمع إلى آرائكن عن هذه التجربة وما حققته الدورة من أثر".

وأضاف "بحسب ما علمت، أنّ أغلبكن من حملة الشهادات العليا، وتعملن في مراكز إدارية داخل الجامعات، وهذا الأمر يدفعني للتأكيد على ضرورة إبقاء شغف التعلم حيًّا لديكن".

وأوضح أنّ "النقطة الأولى التي أحب التنويه عنها، أنّ العلم له بداية، لكن لا نهاية له، لذا عليكن أن تحافظن دائمًا على شعلة العلم والتطور، وألا تكتفين بمجرد نيل الشهادة أو توقفن النشاط العلمي عند حد معين".

التفكير الإبداعي وهدفية الإصلاح

التفكير الإبداعي وفق رؤية أهل البيت (عليهم السلام) هو تفكير يرتكز على القيم الإيمانية والعقلانية، ويهدف إلى تحقيق الإصلاح، بناء الذات، وخدمة الإنسان، لا مجرد الخروج عن المألوف، والركائز الأساسية للتفكير الإبداعي في فكر أهل البيت تنطوي على عدة نقاط أهمها:

1ـ العقل والتدبّر: الإبداع الحقيقي يبدأ من استخدام العقل كأداة لفهم الواقع وتحليل الظواهر، الإمام علي (ع) يقول: (ما عُبد الله بشيء أفضل من العقل) الكافي للكليني: ١ / ١٨ / ١٢.

2ـ النية والهدف: الإبداع يجب أن يكون لله وحده وفي خدمة الحق، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (نية المؤمن خير من عمله) كنز العمال للمتقي الهندي: ٧٢٧١.

3ـ الجرأة الفكرية بضوابط: الأئمة شجعوا على طرح الأسئلة، ونقاش الأفكار، لكن بضوابط الأدب والبحث عن الحقيقة، قال الامام الصادق عليه السلام: (إياك والخصومة فإنها تفسد القلب، وتورث النفاق) شرح أصول الكافي للمازندراني - ج ٩ - ص ٣٠٨. وهو تحذير من الجدل الذي يخرج عن حدود البحث المخلص، أي تشغل القلب عن ذكر الله وتورث النفاق والضغائن للخلق، وكل ذلك من المهلكات الدينية والدنيوية ويدخل فيها الخصومة بين يدي الحكام في الأموال وغيرها وإن احتاج إليها وجب أن لا يغلظ القول ولا يكذب ولا يزيد على قدر الحاجة ولا يقصد إيذاء صاحبه.

4ـ الاجتهاد والتطوير: أهل البيت شجّعوا على التعلّم المستمر والاجتهاد، وهو أساس الإبداع، الإمام علي (ع) يقول: (قيمة كل امرئ ما يُحسن) من لا يحضره الفقيه للصدوق: ٤ / ٣٨٩ / ٥٨٣٤.

5ـ التجديد مع الحفاظ على الأصالة: التفكير الإبداعي لا يعني التمرد على الثوابت، بل تقديم معالجات جديدة لمشكلات الأمة ضمن إطار القيم، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (العالم بزمانه، لا تهجم عليه اللوابس) تحف العقول للحراني: ٣٥٦.

6ـ الإبداع في الحوار والدعوة: الإمام الحسن (ع) والإمام زين العابدين (ع) أبدعوا في مخاطبة الناس بمختلف عقولهم ومستوياتهم، الإمام الحسن (ع) كان يرد على من يسيء إليه بالكلمة الطيبة، وروي أن شامياً غَذَّاه معاوية بالحقد على أهل البيت (عليهم السلام)، رأى الإمام (عليه السلام) راكباً، فجعل يلعنه، والحسن (عليه السلام) لا يردُّ عليه، فلمَّا فرغ الرجل أقبل الإمام (عليه السلام) عليه ضاحِكاً وقال: (أيها الشيخ، أظنُّك غريباً، ولعلَّك شُبِّهْتَ؟ فلو استَعْتَبْتَنا أعتبناك، ولو سَألتَنا أعطيناك، ولو استرشَدْتَنا أرشدناك، ولو استَحْملتَنَا أحملناك، وإنْ كنتَ جائعاً أشبعناك، وإن كنتَ عرياناً كَسَوناك، وإن كنتَ مُحتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كانَ لك حاجة قضيناها لك، فلو حَرَّكتَ رحلك إلينا، وكنتَ ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعْوَد عليك، لأنَّ لنا مَوضِعاً رحباً، وجَاهاً عريضاً، ومَالاً كثيراً، فلما سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال: أشهد أنَّك خليفة الله في أرضه، الله أعلمُ حيث يجعل رسالته، كنتَ أنتَ وأبوك أبغضُ خَلقِ الله إليَّ، والآن أنتَ وأبوكَ أحَبُّ خلقِ الله إليَّ) التبليغ في الكتاب والسنة - محمد الريشهري – ص٢١٩.

والإمام زين العابدين (ع) يؤكد على ان: (القول الحسن يثري المال، وينمي الرزق، وينسئ في الأجل، ويحبب إلى الأهل، ويدخل الجنة) ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٣ – ص٢٧٤٣. وهذا يدل على أن الكلام الطيب وسيلة دعوية فعّالة.

خلاصة التفكير الإبداعي عند أهل البيت (ع) ليس مجرد تفكير مختلف، بل هو تفكير هادف، واعٍ، مؤصَّل وموجّه نحو الخير والمعرفة، وبيّن سماحته في هذا الإطار ان "النقطة الأساسية في هذا التفكير هي ضرورة امتلاك رؤية واضحة لما أنتن عليه وما ترمين الوصول له من أهداف، وهذه الرؤية تتطلب التفكير الإبداعي واستثمار ما تعلمتن لتحقيق الكثير، وأنتن بفضل إيمانكن، مؤهلات للقيام بدور كبير ومؤثّر في مجتمعاتكن، فالمؤمنة تستمد قوتها من الله تعالى والنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، والأئمة الأطهار (عليهم السلام)، كما أود أن أشير إلى أهمية نشر عقيدتكن ومحبتكن بين الناس عبر أخلاقكن وسلوككن، فإذا أردتن التأثير الحقيقي، فعليكن كسب محبة المحيطين بكن، سواء في مكان العمل أو خارجه".

متى يكون القول مسموعاً والعمل متبوعاً

محبة الناس من أعظم النعم، ولها أثر كبير في أن يكون القول مسموعا والعمل متبوعا، خصوصا في ميادين الدعوة، والإصلاح، والقيادة الاجتماعية، وأثر المحبة في القول المسموع، فالقلوب إذا أحبت، أنصتت وعندما يحبك الناس، يصغون إليك برغبة، ويثقون بحديثك، لأنهم يرونه نابعا من قلب ناصح لا من متكبّر أو متصنّع، ولا يكون ذلك الا من خلال النقاط التالية: 

1ـ القول الطيب يُقبل أكثر حين يُقال بمحبة ومن شخص محبوب، ولا يكون ذلك الا لمن اتصف بالزهد والتقوى، عن أمير المؤمنين (ع ) لما سئل عن خيار الناس عند الله عز وجل قال: (أخوفهم لله، وأعملهم بالتقوى، وأزهدهم في الدنيا) بحار الانوار للمجلسي: 70 / 375 / 20. 

2ـ أثر المحبة في العمل المتبوع: الناس تتبع من تثق به وتحبه، لا من يخوّفها أو يتعالَى عليها، عن الإمام الصادق (ع): (كونوا لنا زينًا، ولا تكونوا علينا شينًا، حببونا إلى الناس) ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٢ - ص ١٥٤٤.  أي أن التعامل الطيب يزرع المحبة، ومن ثم التأثير.

3ـ كيف تكسب المحبة؟ تكسبها بالصدق، التواضع، حسن الخلق، وخدمة الناس، عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يأكل أكل العبد، ويجلس جلوس العبد، ويعلم أنه عبد) نعم انه اكتسب محبة الناس لأنه جمع بين اللين والحزم، الرحمة والحكمة، فالقول المسموع والعمل المتبوع لا يتحققان بالقوة ولا بالعلم وحده، بل بالمحبة الصادقة التي تُفتَح بها القلوب قبل العقول، ومن يملك قلوب الناس، يملك قدرتهم على التغيير، وهذا ما أكد عليه سماحة السيد الصافي بالقول: "انظري إلى ثقافة أهل البيت (عليهم السلام)، ستجدين فيها دروسا عظيمة تركّز على أدعية مثل طلب محبة القلوب، التي يظهر أثرها في قول مسموع وعمل متبوع، وهذا يبيّن أهمية بناء علاقات قوامها الاحترام والثقة مع الآخرين".

الابتعاد عن التكبر والحسد

الابتعاد عن التكبر والحسد من أهم أسس تهذيب النفس في الإسلام، وقد أكدت روايات أهل البيت (عليهم السلام) على خطر هاتين الصفتين في الدنيا والآخرة.

نهى الإمام علي (ع) عن التكبر بقوله: (ما لابن آدم والفخر! أوله نطفة، وآخره جيفة، ولا يرزق نفسه، ولا يدفع حتفه) نهج البلاغة: الحكمة ٤٥٤، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ٢٠ / ١٥٠. النتيجة: المتكبر يُحرم التوفيق، ويُبغضه الناس، ولا يُقبل منه قول أو عمل.

ونهى النبي (ص) عن الحسد بقوله: (الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب) ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ١ - ص ٦٣٠. فالحاسد يعترض على قسمة الله، ويعيش في ضيق دائم.

كيف نبتعد عنهما؟

1ـ معرفة النفس وحقيقتها.

2ـ الرضا بقضاء الله.

3ـ الدعاء بتزكية القلب: (اللهم طهّر قلبي من الكبر والحسد).

4ـ محبة الخير للغير.

فالتكبر يسقط الهيبة، والحسد يقتل الراحة، ومن تواضع لله ورضي بما قسم له، أحبه الله ورفعه بين الناس، هذا ما أشار اليه سماحته بقوله: "تذكرن أيضًا ضرورة الابتعاد التام عن مظاهر التكبر والحسد بينكن، مهما بلغتن من علم، هناك دومًا من هو أعلم، ويبقى الخلق الحسن هو الجوهر والأساس الذي يزين المعرفة، فالأخلاق العالية وهي أحد مفاتيح النجاح، والحمد لله أنني ألمس فيكن هذه الروح الأخلاقية الرفيعة، لكنني أؤكد للتذكير والتشجيع".

التعليقات