الأحد 10 ذو الحِجّة 1446هـ 8 يونيو 2025
موقع كلمة الإخباري
لماذا تتحق بعض أحلامنا؟ دراسات علمية طبية ونفسية تُجيب…
بغداد - كلمة الإخباري (خاص)
2025 / 06 / 08
0

أصل الأحلام “النبوية” كشفته الأبحاث العلمية الحديثة، حيث يوضح البروفيسور رومان بوزونوف من الأكاديمية الطبية المركزية أن هذه الظاهرة لا تتعلق بالتصوف أو القوى الخارقة، بل بقدرات الدماغ البشري التحليلية.

يفسر بوزونوف الآلية العلمية خلف هذه الأحلام قائلاً: “يصدر الدماغ في الحلم، تنبؤات دون مشاركة وعينا. هذا هو الفرق الرئيسي بين الإنسان والحيوان. فنحن نحلل المعلومات باستمرار، حتى في الحلم.”

وضرب البروفيسور مثالاً عملياً على هذه النظرية، موضحاً أنه “إذا حلم شخص، مثلاً، أن سيارة صدمته، فربما لأنه خلال شهر يعبر الطريق في المكان الخطأ. والدماغ يحلل الوضع، ويقول له في الحلم: المعبر على بعد 100 متر.”

ووفقاً للعالم، فإن ما يُعرف بـ “انحياز البقاء” يلعب دوراً محورياً في تفسير هذه الظاهرة، حيث يتذكر الأشخاص الأحلام التي تتحقق ويعتبرونها نبوية، بينما ينسون تلك التي لا تتحقق.

واستشهد بوزونوف بقصة طالب للتوضيح: “لم أستعد للامتحان، درست فقط أسئلة البطاقة رقم 5. وحلمت أنني سأسحبها. وسحبتها! حلم نبوي؟ بالطبع! ولكن إذا كان هناك 100 بطاقة في الامتحان، فإن احتمال سحب البطاقة رقم 5 هو 1 بالمئة.”

الأحلام التنبؤية: منظور علمي شامل

تشير الأبحاث العلمية المعاصرة إلى أن الأحلام التنبؤية ظاهرة نفسية معقدة تفسرها آليات معرفية وعصبية محددة وليس قدرات خارقة على التنبؤ بالمستقبل. رغم أن 17.8-38% من الناس يبلغون عن تجارب أحلام تنبؤية،  فإن الأدلة العلمية تشير إلى أن هذه الظاهرة تنتج عن مزيج من التحيزات المعرفية ووظائف الدماغ الطبيعية أثناء النوم.   البحوث في علم الأعصاب وعلم النفس وطب النوم تكشف عن صورة معقدة لوظائف الأحلام الحقيقية في تعزيز الذاكرة والتحضير العاطفي للمستقبل، بينما تفسر سبب انتشار المعتقدات حول قدرات التنبؤ الحلمية عبر الثقافات المختلفة. 

النظريات العلمية المعاصرة حول آلية الأحلام التنبؤية

تركز الأبحاث الحديثة في علم الأعصاب على فهم الآليات البيولوجية الكامنة وراء الأحلام بدلاً من البحث عن قدرات خارقة. كشفت دراسة نُشرت في مجلة Nature عام 2024 من قبل فريق كامران ديبا أن الخلايا العصبية في الحُصين لا تعيد تشغيل التجارب الماضية فحسب، بل تقوم “بإعادة ضبط” نفسها لتوقع التجارب المستقبلية أثناء النوم.  هذا الاكتشاف يوضح كيف يستعد الدماغ للمستقبل بطريقة طبيعية تماماً.

تقترح نظرية “المحاكاة المستقبلية البنائية” التي طورتها الدكتورة إيرين وامسلي من جامعة فورمان أن الأحلام تجمع بين أجزاء من تجارب متعددة ماضية لبناء سيناريوهات جديدة تتوقع أحداثاً مستقبلية.   في دراسة شملت 48 مشاركاً باستخدام مخطط كهربية الدماغ، وُجد أن الأحلام تتضمن محتوى موجهاً نحو المستقبل بشكل متزايد في وقت متأخر من الليل، مما يشير إلى وظيفة تحضيرية طبيعية.

كما تفسر نظرية “المعالجة التنبؤية” الأحلام كإشارات خطأ تنبؤية تحدث أثناء النوم، حيث يحاول الدماغ دمج أجزاء الذاكرة المنشطة عشوائياً.  هذا التفسير يقدم أساساً علمياً قوياً لما قد يبدو كأحلام تنبؤية، لكنه في الواقع عملية معرفية طبيعية.

الدراسات الطبية والنفسية حول قدرة الدماغ على التنبؤ أثناء النوم

استخدمت الأبحاث الطبية تقنيات تصوير الدماغ المتقدمة لفهم ما يحدث أثناء الأحلام. دراسة فرانشيسكا سيكلاري وفريقها المنشورة في Nature Neuroscience عام 2017 استخدمت 256 قطباً كهربائياً لتحديد “المنطقة الساخنة الخلفية” المسؤولة عن توليد الأحلام، ونجحت في التنبؤ بحدوث الأحلام بدقة عالية من خلال مراقبة مناطق دماغية محددة.

كما أظهرت دراسة هوريكاوا وزملاؤه المنشورة في مجلة Science عام 2013 إمكانية فك تشفير المحتوى البصري للأحلام باستخدام الرنين المغناطيسي الوظيفي والذكاء الاصطناعي، حيث تمكنوا من التنبؤ بأشياء ومشاهد محددة من أنماط نشاط الدماغ بدقة 60%.  

تشير الأبحاث إلى أن% تحسن في حل المشاكل يحدث بعد نوم حركة العين السريعة، مما يوضح الدور الحقيقي للأحلام في معالجة المعلومات والتحضير المعرفي.  كما أن موجات الدماغ الحادة (100-250 هرتز) أثناء النوم العميق تنسق إعادة تشغيل الذاكرة والتحضير للمستقبل.

مفهوم انحياز البقاء وتأثيره على ذاكرة الأحلام

يلعب “انحياز البقاء” أو “التحيز الانتقائي” دوراً مركزياً في تفسير سبب اعتقاد الناس بقدرة أحلامهم على التنبؤ. الناس يتذكرون الأحلام التي تبدو وكأنها تحققت بشكل أكثر تكراراً من الأحلام التي لم تتحقق، مما يخلق وهماً بوجود قدرة تنبؤية حقيقية. 

تُظهر الدراسات النفسية أن عند تتبع الأحلام بطريقة مستقبلية (تسجيل الأحلام أولاً، ثم فحص تحققها لاحقاً)، تنخفض حالات التنبؤ الظاهري بشكل كبير مقارنة بالاعتراف الاستعادي.   هذا يشير إلى أن معظم “الأحلام التنبؤية” هي في الواقع نتيجة إعادة تفسير المحتوى الغامض للأحلام لمطابقة الأحداث اللاحقة.

كما يؤثر “الاستدلال التوافقي” حيث يبحث الأشخاص عن معلومات تؤكد معتقداتهم الموجودة بينما يتجاهلون الأدلة المتناقضة.  الأفراد ذوو التسامح العالي مع الغموض أكثر عرضة لتجربة أحلام تبدو تنبؤية.  

الفرق بين معالجة المعلومات عند الإنسان والحيوان أثناء النوم

تكشف الأبحاث المقارنة عن اختلافات جوهرية في معالجة المعلومات أثناء النوم بين الأنواع المختلفة. البشر يتذكرون أحلامهم بنسبة 80% عند الاستيقاظ أثناء نوم حركة العين السريعة،  بينما تظهر الحيوانات المائية كالحيتان والدلافين استقلالية مورفوفيزيولوجية لنصفي الدماغ، مما يجعلها “أقل المجموعات الثديية احتمالاً لتجربة أحلام حيوية”.  

الحيوانات المختلفة تُظهر أنماط نوم متنوعة: الفقمات تُظهر نوم حركة عين سريعة طبيعياً على الأرض، لكن نوماً أحادي النصف في البحر مع غياب شبه كامل لحركة العين السريعة.  كما تُظهر بعض الحيوانات مثل الوبر الصخري حالة نوم ثالثة فريدة تُسمى “Somnus innominatus” قد تنتج ثلاثة أنواع مختلفة من الأحلام. 

البحوث الفيلوجينية الحديثة وثقت حالات شبيهة بحركة العين السريعة في العناكب والسحالي والحبار والأسماك الزرداء والأخطبوط، مما يشير إلى أن **أنواع النوم المختلفة نشأت منذ مئات الملايين من السنين**،  لكن التعقيد والمحتوى العاطفي للأحلام البشرية يميزها عن الثدييات الأخرى. 

 آراء علماء النفس والأعصاب المعاصرين

يتفق علماء النفس والأعصاب المعاصرون على أن هناك أدلة علمية قليلة تشير إلى أن الأحلام يمكنها التنبؤ بالمستقبل  كما تؤكد الدكتورة هيلين مارلو من جامعة نوتردام دي نامور.   معظم علماء النفس المعاصرين ينظرون إلى الأحلام التنبؤية الظاهرة كظواهر معرفية وليس تنبؤاً حقيقياً بالمستقبل. 

يقترح الخبراء تفسيرات بديلة تشمل: المعالجة اللاواعية للإشارات البيئية، الاستنتاج اللاواعي من معلومات خفية، النبوءات التي تحقق ذاتها، المصادفة الإحصائية، والتعرف على الأنماط من بيانات غير مكتملة. 

الدكتور جوليو تونوني من جامعة ويسكونسن-ماديسون، مطور نظرية المعلومات المتكاملة، يؤكد أن النوم ينطوي على تقليل متشابك عالمي مع المحافظة على آثار الذاكرة المهمة، والأحلام قد تنتج عن محاولات دمج أجزاء الذاكرة المنشطة عشوائياً.

الإحصائيات والأرقام المتعلقة بنسب الأحلام التي تتحقق

تقدم البحوث الكمية صورة واضحة عن انتشار معتقدات الأحلام التنبؤية وحقيقتها الإحصائية. 55-70% من السكان يؤمنون بأن الأحلام يمكنها التنبؤ بأحداث مستقبلية،   بينما 17.8-38% من الناس يبلغون عن تجربة حلم تنبؤي واحد على الأقل. 

في دراسة ديفيد رايباك التي شملت 433 طالباً جامعياً، 66.9% أبلغوا عن أحلام خارقة للطبيعة، لكن فقط 8.8% صُنفت كأحلام تنبؤية محتملة بعد التحليل الصارم.  هذا التفاوت الكبير يوضح تأثير التحيزات المعرفية والتفسير الاستعادي.

دراسة خطف ليندبرغ عام 1932 كشفت أن **فقط 5% من 1,300 حلماً مُبلغ عنه تصور الطفل ميتاً، وفقط 4 أحلام تنبأت بشكل صحيح بموقع الدفن بين الأشجار**،  مما يُظهر أن معظم “التنبؤات” تفسيرات لاحقة للأحداث. 

معدلات تذكر الأحلام تختلف حسب مرحلة النوم: 80-90% نجاح في التذكر عند الاستيقاظ أثناء نوم حركة العين السريعة، أقل من 50% أثناء المرحلة الثانية من النوم غير حركة العين السريعة، وحوالي 0% أثناء النوم العميق.  

التفسيرات العلمية لتذكر الأحلام المتحققة ونسيان غير المتحققة

تفسر عدة آليات نفسية سبب تذكر الأحلام “المتحققة” بوضوح أكبر من غير المتحققة. نظرية المخطط تشير إلى أن المعلومات المطابقة للتوقعات المسبقة يتم تخزينها واستدعاؤها بسهولة أكبر من المعلومات المتناقضة. 

كما يلعب الترميز العاطفي دوراً مهماً، حيث الأحلام ذات المحتوى العاطفي القوي (التي غالباً ما ترتبط بـ”التنبؤات”) يتم ترميزها بشكل أفضل في الذاكرة.  تحيز التعرف على الأنماط يجعل الدماغ يحدد أنماطاً ذات معنى حتى في الأحداث العشوائية.

الدكتور كريستينا مارزانو من جامعة روما وجد أن نشاط ثيتا الجبهي الأعلى (5-7 هرتز) أثناء نوم حركة العين السريعة يتنبأ بنجاح تذكر الأحلام، وهذه النتائج تحاكي آليات ترميز الذاكرة العرضية في حالات اليقظة.  

المنطق اللاحق حيث يُعاد تفسير المحتوى الغامض للأحلام لمطابقة الأحداث اللاحقة، والاستدلال التوافقي حيث يُعاد تذكر الأدلة بطريقة انتقائية لتعزيز التوقعات حول دقة التنبؤ، كلاهما يساهم في إنشاء وهم القدرة التنبؤية. 

دور العقل الباطن في تحليل المعلومات أثناء النوم

يلعب العقل الباطن دوراً معقداً في معالجة المعلومات أثناء النوم، لكن بطرق تختلف عن التنبؤ الخارق. شبكة الوضع الافتراضي تبقى نشطة أثناء النوم، مما قد يدعم توليد الأحلام،  والدراسات تُظهر أن أنماط نشاط الدماغ في حالة الراحة يمكنها التنبؤ بأنماط مدة النوم الفردية بدقة 74%.

البحوث حول رقابة مصدر الذاكرة تكشف أن الأحلام تدمج عناصر من فترات زمنية متعددة: 65% من التجارب الحديثة، 35% من الذكريات البعيدة.  هذه العملية “البنائية” تجمع الأجزاء لإنشاء سيناريوهات جديدة، والبروز العاطفي يحدد أي ذكريات يتم دمجها تفضيلياً في الأحلام.

ظاهرة كيكولي في البحوث تُظهر زيادة 65% في حل المشاكل الإبداعي بعد نوم حركة العين السريعة، حيث الأحلام قد تسهل الروابط الجديدة بين المفاهيم غير المتصلة سابقاً.   تأثير الحضانة حيث تظهر الحلول بعد النوم ينطوي على معالجة لاواعية أثناء الأحلام.

إن النشاط اللاواعي أثناء النوم يشمل معالجة الذكريات العاطفية والمعلومات البيئية الخفية، لكن هذا لا يترجم إلى قدرة حقيقية على التنبؤ بالمستقبل، بل إلى قدرة محسنة على التعرف على الأنماط والاستعداد للتحديات المحتملة.

الدراسات المقارنة بين الثقافات حول الأحلام التنبؤية

تكشف الأبحاث الأنثروبولوجية والثقافية عن تنوع رائع في معتقدات وممارسات الأحلام التنبؤية عبر الثقافات.  دراسة د’أندريد المقارنة عبر الثقافات (1961) حللت استخدام الأحلام عبر 63 مجتمعاً ووجدت أن استخدام الأحلام نشأ أساساً من إدارة القلق، مع زيادة كبيرة في استخدام الأحلام لدى مجتمعات الصيد والجمع مقارنة بالمجتمعات الرعوية-الزراعية. 

أبحاث باربرا تيدلوك الرائدة في “الأنثروبولوجيا الجديدة للأحلام” وثقت اختلافات منهجية كبيرة من التحليل الإحصائي للمحتوى إلى الملاحظة التشاركية.  دراستها لممارسات مشاركة وتفسير الأحلام لدى الزوني والمايا الكيتشي كشفت عن أنظمة ضمائر محددة في سرد الأحلام - الشخص الأول للأحلام الإيجابية، الشخص الثالث للأحلام السلبية لخلق مسافة.

البحوث المعاصرة لديفيد سامسون (2023) قارنت الأحلام بين مجتمعات الجمع (البايقا في الكونغو، الهادزا في تنزانيا) والمجتمعات الغربية ووجدت أن أحلام الجماع تحتوي على مزيد من الدعم الاجتماعي وموضوعات حل المجتمع، بينما الأحلام الغربية تركز أكثر على الضغط والقلق الفردي.

كما توثق الأبحاث التقاليد الإسلامية للأحلام حيث تُصنف الأحلام إلى ثلاثة أنواع: رسائل من الله، تحذيرات، وأحلام خادعة.  القادة السياسيون اتخذوا تاريخياً قرارات بناءً على أحلام نبوية، والأحلام تُستخدم للإرشاد الشخصي في الزواج والتعليم والمهنة.

تكشف الأدلة العلمية المجمعة أن الأحلام التنبؤية ظاهرة نفسية واجتماعية معقدة وليس قدرة خارقة حقيقية على التنبؤ بالمستقبل. التحيزات المعرفية، خاصة انحياز البقاء وتحيز التأكيد، تفسر بشكل كافٍ سبب اعتقاد الناس بقدرة أحلامهم على التنبؤ.  الأبحاث في علم الأعصاب تُظهر أن الأحلام تخدم وظائف مهمة في تعزيز الذاكرة والتنظيم العاطفي والتحضير للمستقبل من خلال آليات طبيعية تماماً. 

رغم عدم وجود أدلة على قدرات تنبؤية حقيقية، تستمر معتقدات الأحلام التنبؤية في خدمة وظائف اجتماعية ونفسية ودينية مهمة عبر الثقافات المختلفة.   فهم هذه الظاهرة من منظور علمي يساعد في تقدير كل من القيود والقدرات الحقيقية للعقل البشري، مع احترام الأهمية الثقافية والشخصية التي قد تحملها هذه التجارب للأفراد والمجتمعات.

المحرر: حسين صباح​​​​​​​​​​​​​​​​



التعليقات