حذر محللون سياسيون من أن الامتناع عن المشاركة في الانتخابات العراقية المقبلة قد يسهم في إيصال "الفاسدين" إلى البرلمان، في ظل تنامي المخاوف الشعبية من تكرار تجارب سابقة وصفوها بـ"المريرة".
ويشهد المشهد السياسي العراقي حالة من الاضطراب والتخبط مع اقتراب موعد الانتخابات، وسط حالة من "الشحن النفسي" تهيمن على الخطاب السياسي وتدفع غالبية الناخبين إلى العزوف عن المشاركة.
معادلة رياضية لحرمان الفاسدين
وأوضح عيسى المعموري، المحلل والباحث السياسي، في تصريحات لـ "كلمة الإخباري": أن عملية المشاركة الانتخابية تخضع لما وصفه بـ"معادلة رياضية واضحة".
وقال: "كلما زاد عدد الناخبين المشاركين، غلا سعر المقعد النيابي، وبالتالي صَعُب على الفاسد جمع العدد الكافي من الأصوات للفوز"، كما يقول المعموري.
وأضاف: "من ينأى بنفسه عن الانتخابات يضر نفسه ويُعاقبها دون أن يشعر، لأنه يصعب على نفسه حل مشكلات البلد".
تحذيرات المرجعية
ويأتي العزوف الشعبي عن المشاركة في الانتخابات متزامناً مع تحذيرات المرجعية الدينية المتكررة من انتخاب "الفاسدين" وفقاً لرأي المعموري.
ويرى أن المرجعية العليا وضعت أربعة شروط أساسية يجب توفرها في المرشح الذي ينبغي على الناخبين اختياره، وهي:
- الحفاظ على الهوية الثقافية
- النزاهة
- الصدق في تطبيق ما يعد به
- النشاط والفاعلية داخل مجلس النواب
قوى جديدة تقلب الموازين
وسط المشهد المضطرب، برزت قوتان سياسيتان جديدتان استطاعتا تحقيق نجاحات في الدورة البرلمانية السابقة، وهما "تجمع الفاو زاخو" و"إشراقة كانون".
وبحسب المعموري فإن هذين التجمعين "لعبا دوراً كبيراً في سن القوانين الجيدة ومنع كثير من الفساد"، مشيراً إلى أنهما كانتا من أوائل الكتل التي دعت إلى إلغاء الرواتب الكبيرة لأعضاء مجلس النواب وإنهاء التقاعد الخاص (الاستثنائي).
واختار تجمع "الفاو زاخو" اسمه رمزاً للوحدة الوطنية الشاملة التي تمتد من أقصى الجنوب (الفاو) إلى أقصى الشمال (زاخو). ويُعد التجمع من الكتل المعارضة الفاعلة في البرلمان، وينتقد هيمنة بعض القوى على صنع القرار.
أما "إشراقة كانون"، فقد تشكل استجابةً لدعوات سابقة موجهة للنخب والكفاءات للتصدي للعملية السياسية، واتخذ موقف "المعارضة الإيجابية" داخل مجلس النواب، رافضاً المشاركة في تشكيل الحكومة ومركّزاً على دوره الرقابي والتشريعي.
وعود فضفاضة
وحسب المعموري، فإن تخوف الشارع من إعادة إنتاج الطبقة السياسية نفسها يعود إلى "التجارب المريرة" مع سياسيين "يطلقون وعوداً لا يستطيعون تنفيذها" بسبب قلة خبرتهم.
وأضاف أن هؤلاء السياسيين "يتكلمون بكلام فضفاض (عام ومبهم) وغير عملي، لا يمكن القياس عليه أو فحصه وتنفيذه بجداول زمنية واضحة".
وعلى النقيض، يؤكد المحلل السياسي أن القوى الجديدة التي ظهرت "تملك برامج واضحة يمكن قياسها، وقد أوفت بوعودها، مما يثبت أنها تطبق ما تقول ولا تكتفي برفع الشعارات".
مستقبل الانتخابات
ويبقى السؤال عن مدى قدرة هذه القوى الجديدة على تحقيق اختراق كبير في المشهد السياسي العراقي الذي ظل لسنوات محكوماً بنفس القوى التقليدية.
ويشير المعموري إلى أن "تنمية عددهم تعتمد على وعي الناخب، الذي هو الفيصل في هذا الموضوع"، في إشارة إلى أهمية المشاركة الواسعة في الانتخابات.
وفيما يتعلق بموقف المرجعية الدينية، يرى المحلل السياسي أن المشاركة هي الخيار المرجح لدى المرجعية، استناداً إلى بياناتها السابقة التي "خيّرت بين المشاركة وعدمها، ولم تُخير بين المقاطعة وعدمها".
ويبدو أن النقاش حول جدوى المشاركة في الانتخابات من عدمها سيظل محتدماً في الشارع العراقي حتى موعد الاقتراع، وسط آمال بإمكانية إحداث تغيير حقيقي، ومخاوف من تكرار التجارب السابقة.